تتكفل نفي الشغل الواقعي. وفيه: انه لم يقم دليل خاص على اخذ عدم الشغل واقعا في موضوع وجوب الحج، وانما يعتبر من باب اخذ الاستطاعة الشرعية في موضوعه، وهي لا تتحقق مع وجوب أداء الدين، بل مع مزاحمة أقل الواجبات، ومن الواضح ان سلب القدرة شرعا يناط بفعلية وجوب أداء الدين، واصل البراءة ينفيه، فلاحظ -. لكن لا يخفى ان هذا التفصيل العلمي الرشيق أجنبي عن كبرى دعوى الفاضل التوني، وإنما هو تحقيق راجع إلى الصغرى.
فالمهم تحقيق الكبرى التي ادعاها الفاضل التوني.
ويمكن توجيه ما أفاده - مع قطع النظر عما ينقل من كلامه في توجيهها -:
بان المعروف بين الأصحاب كون حديث الرفع واردا مورد الامتنان وبملاكه نظير رفع الضرر، فلا يجري في مورد يكون في جريانه منافاة للامتنان، كما لو كان اجراؤه مستلزما لثبوت تكليف شرعي أكثر كلفة ومشقة من التكليف المنفي، كمثال براءة الذمة من الدين الذي يترتب عليه وجوب الحج، فإنه لا امتنان في رفع التكليف بالدين لوقوع المكلف بسببه في كلفة الحج.
وهكذا لو كان اجراؤه مستلزما للاضرار بالغير، بملاحظة ان الملحوظ هو الامتنان على الأمة والنوع لا خصوص من يجري في حقه حديث الرفع، فإنه لا امتنان في اجراء البراءة مع استلزامها ضرر الغير، فهي لا تجري مع قطع النظر عن أدلة نفي الضرر.
فاشتراط هذين الشرطين انما هو بملاك عدم الامتنان في جريان البراءة.
فلا بد في تحقيق صحة ذلك من ملاحظة ان الملحوظ هل هو الامتنان في نفسه أو الامتنان الفعلي بملاحظة خصوصيات الواقعة وملازماتها؟. فإذا كان الملحوظ هو الأول لم يتوجه اعتبار هذين الشرطين، إذ في اجراء البراءة امتنان في نفسه. وإذا كان الملحوظ هو الثاني توجه اعتبارهما كما عرفت. وظاهر الأصحاب هو الثاني، نظير ما يلتزم به في حديث نفي الضرر كما سيأتي.