الشارع رفعا ووضعا هو التكليف، فيستطيع ان يرفعه من أصله كما بيده تضييق دائرة شموله وانبساطه وتوسيعها.
أما غير ذلك، فليس مما يرجع إليه كي يصح له رفعه.
إذا تبين ذلك: فقد تقدم ان النهي - سواء كان عبارة عن الزجر عن الفعل أو طلب الترك - انما ينشأ عن مفسدة في متعلقه في قبال الامر الذي ينشأ عن مصلحة في متعلقه.
وعليه، فهو لا يخرج عن أحد صور ثلاث، لان المفسدة..
إما ان تكون في كل فعل على استقلاله فيكون النهي متعلقا بجميع الأفعال بنحو العموم الاستغراقي، فيكون كل فعل محرما على حدة.
وإما أن تكون في مجموع الأفعال بنحو الارتباط، فيكون النهي متعلقا بمجموع الأفعال، ويلزمه تحقق الامتثال بترك أحد الأفعال ولو ترك فعل الباقي بأسره لتحقق ترك المجموع.
وأما ان تكون في صرف الوجود، فيتعلق النهي به ويلزمه عدم تحقق الامتثال إلا بترك الجميع، وقد تقدم منا ما يوضح ذلك. فراجع.
أما إذا كان النهي متعلقا بجميع الأفعال بنحو العموم الاستغراقي، فمع الشك في شئ انه مصداق للمحرم كالشك في أن هذا المائع خمر أو خل، تجري البراءة فيه، لأنه يشك في تكليف مستقل تعلق بهذا الفرد المجهول، فتجري البراءة شرعا كما تجري فيه البراءة عقلا، إذ قد عرفت أن العلم بالكبرى الكلية لا ينفي قاعدة قبح العقاب بلا بيان لعدم استلزامه للتنجيز.
وأما إذا كان النهي متعلقا بمجموع الأفعال، فلا اشكال في صحة ارتكاب المشكوك مع اجتناب أحد الافراد المعلومة، انما الاشكال في ارتكاب جميع الافراد المعلومة وترك المشكوك فقط، فهل يصح أولا؟. فقد قيل: بجريان البراءة في الأقل المعلوم فرديته فيصح ارتكابه، ويتحقق الامتثال بترك المشكوك، وذلك