مخالفا لظاهر النهي في كونه زجرا عن الفعل وردعا عنه، إنما هو من جهة عقلية، وهي ما تقدم من أن التكليف لتحريك الإرادة، والمتصور في باب النهي هو تحريك الإرادة في عدم الفعل لا في نفسه. ولا يخفى ان هذا المعنى يرجع إلى أن المطلوب في موارد النهي هو عدم إعمال الإرادة في الفعل. ولا يخفى ان عدم إعمال الإرادة في صرف وجود الفعل لازم للترك المستمر بين المبدأ والمنتهى، فليس المطلوب هو الترك بنفسه، بل ما هو لازمه.
وعليه، فالشك في فردية أمر للحرام لا يستلزم الشك في سعة التكليف، لان متعلقه أمر بسيط لازم للمتروك، فلا يكون مجرى للبراءة. وإنما المحكم هو قاعدة الاشتغال تحصيلا للفراغ اليقيني. فتدبر.
يبقى الكلام فيما أفاده صاحب الكفاية (رحمه الله) من وجود أصل موضوعي - في بعض الأحيان - ينقح الاتيان بمتعلق التكليف، فيكون حاكما على قاعدة الاشتغال أو واردا عليها.
كما إذا كان المكلف مسبوقا بترك صرف الوجود، فإنه مع اتيانه بالمشكوك يشك أنه بعد تارك لصرف الوجود أولا، فيستصحب كونه تاركا لصرف الوجود ويثبت به الامتثال (1).
وهذا الأصل بهذه الصورة أنما يتأتى فيما لو كان الطلب متعلقا بالترك بعنوانه، اما إذا كان مرجع الطلب إلى طلب عدم إعمال الإرادة في الفعل، فاستصحاب الترك لا يجدي، لأنه - اي الترك - من لوازم متعلق التكليف لا نفسه.
ولكن يمكننا ان نلتزم باجراء الاستصحاب في نفس متعلق التكليف المفروض، وهو عدم اعماله الإرادة في الفعل، لأنه متيقن الثبوت مشكوك الارتفاع.