الثالثة: أن الثواب والعقاب إنما هي على الطاعة والمعصية لا على الفعل الخارجي حتى يكون العقاب عليه من العقاب على أمر خارج عن الاختيار وهو لا يمكن.
وهذه المحاولة غريبة جدا لأن عنوان الطاعة والمعصية عنوان انتزاعي منتزع من العمل الخارجي، فإنه إن كان مطابقا للشرع انتزع عنوان الطاعة وإن كان مخالفا له انتزع عنوان المعصية، وعلى هذا فمنشأ العقاب هو العمل الخارجي المنطبق عليه عنوان المعصية، لا عنوان المعصية فحسب لأنه لا واقع له في الخارج، كما أن منشأ الثواب هو العقل الخارجي المنطبق عليه عنوان الطاعة لا عنوان الطاعة فحسب لأنه لا واقع له، ومع الاغماض عن ذلك وتسليم أن العقاب إنما هو على عنوان المعصية إلا أنه لا يحل مشكلة قبح العقاب على أمر خارج عن الاختيار، لفرض أنه غير اختياري كمنشأ انتزاعه وهو الفعل.
الرابعة: أن عقاب العبد على الفعل الصادر منه بغير الاختيار إنما هو على أساس انكار الحسن والقبح العقليين وعلى هذا الأساس فلا تبقى مشكلة من ناحية قبح المحاسبة والعقاب. نعم، تبقى هنا مشكلة أخرى وهي مشكلة لغوية التكليف رأسا، ولكن هذه المحاولة خاطئة جدا ولا واقع موضوعي لها، بداهة أن مدركات العقل العملي كالحسن والقبح غير قابلة للانكار لأنها من القضايا الفطرية الأولية، كيف فإن قبح الظلم من أوليات ما يدركه الانسان في حياته الاعتيادية فطرة.
الخامسة: أن القول بأن انكار الحسن والقبح العقليين يستلزم سد باب اثبات النبوة بالمعجزة، لأنه يتوقف على قبح اعطائها بيد الكاذب لا يتم، إذ لا يمكن الاستدلال بهذه القضية العقلية وهي قبح جريان المعجزة على يدي الكاذب