بلزوم تقدم المستعمل فيه على الاستعمال، إذ ليس معنى الاستعمال إلا ذكر اللفظ لافهام المعنى، وطلب عمل اللفظ في المعنى، من غير لزوم التقدم المدعى. ولعله أخذ بظاهر لفظة (في) الدالة على الظرفية، فتوهم أن استعمال شي في شي يتوقف على وجود الظرف قضاء لحق الظرفية، وإلا فأي دليل على تقدم المستعمل فيه على الاستعمال؟ والتحقيق: أن الألفاظ قد تكون حاكيات عن المعاني المقررة في نفس الامر، فيكون التكلم بها موجبا لاخطار معانيها في الذهن، وقد تكون موجدة لمعانيها في الوعاء المناسب لها، ومع ذلك موجبة لاخطار معانيها في الذهن ولو بالعرض، ولا يكون لها واقع تطابقه أو لا تطابقه، فالمستعمل فيه لا يكون مقدما على الاستعمال تقدما بالطبع حتى في الحاكيات لعدم ملاك التقدم، و التقدم في بعضها اتفاقي، لا طبعي بملاكه.
ثالثها: أنه لا شبهة في استعمال أدوات النداء والتشبيه والتمني و الترجي والطلب في غير ما يكون كذلك بالحمل الشائع، بل تستعمل هذه الألفاظ بداعي التشوق أو السخرية أو التعجيز وأمثالها، ولا ريب في أن الموجود بهذا الاستعمال لا يكون بالحمل الشائع ندأ و تشبيها وطلبا، بل يكون تشوقا وتعجيزا إلى غير ذلك بهذا الحمل، فلا بد إما من الالتزام بالمجازية، وهو مما لا يقول به المفصل، وإما أن تكون مستعملة في معانيها الحقيقية بداعي ما ذكر، فما تكون مستعملة فيه هو معانيها الحقيقية فيما إذا استعملت بداعي إفادة ما وضعت له.