ويا أهل الجنة لا موت، كل هو خالد فيما هو فيه ". وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة نحوه. وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث معاذ نحوه. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا، ولكن جعل لهم الأبد ".
أنزل الله هذه الآية ردا على الكفار لما أنكروا ما ضربه سبحانه من الأمثال كقوله - مثلهم كمثل الذي استوقد نارا - وقوله - أو كصيب من السماء - فقالوا الله أجل وأعلا من أن يضرب الأمثال. وقال الرازي: إنه تعالى لما بين بالدليل كون القرآن معجزا أورد ها هنا شبهة أوردها الكفار قدحا في ذلك وأجاب عنها، وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والعنكبوت والنمل، وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلا عن كونه معجزا. وأجاب الله عنها بأن صغر هذه الأشياء لا تقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملا على حكمة بالغة انتهى. ولا يخفاك أن تقرير هذه الشبهة على هذا الوجه وإرجاع الإنكار إلى مجرد الفصاحة لا مستند له ولا دليل عليه، وقد تقدمه إلى شئ من هذا صاحب الكشاف، والظاهر ما ذكرناه أولا لكون هذه الآية جاءت بعقب المثلين اللذين هما مذكوران قبلها، ولا يستلزم استنكارهم لضرب الأمثال بالأشياء المحقرة أن يكون ذلك لكونه قادحا في الفصاحة والإعجاز. والحياء: تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم: كذا في الكشاف، وتبعه الرازي في مفاتيح الغيب. وقال القرطبي: أصل الاستحياء الانقباض عن الشئ والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح، وهذا محال على الله انتهى، وقد اختلفوا في تأويل ما في هذه الآية من ذكر الحياء فقيل: ساغ ذلك لكونه واقعا في الكلام المحكي عن الكفار، وقيل: هو من باب المشاكلة كما تقدم، وقيل هو جار على سبيل التمثيل. قال في الكشاف: مثل تركه تخييب العبد وأنه لا يرد يديه صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك رد المحتاج إليه حياء منه انتهى. وقد قرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية عنه " يستحي " بياء واحدة وهي لغة تميم وبكر بن وائل، نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت، ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين. وضرب المثل: اعتماده وصنعه. و " ما " في قوله (ما بعوضة) إبهامية أي موجبة لإبهام ما دخلت عليه حتى يصير أعم مما كان عليه وأكثر شيوعا في أفراده، وهي في موضع نصب على البدل من قوله (مثلا) و (بعوضة) نعت لها لإبهامها، قاله الفراء والزجاج وثعلب، وقيل: إنها زائدة، وبعوضة بدل من مثل. ونصب بعوضة في هذين الوجهين ظاهر، وقيل: إنها منصوبة بنزع الخافض، والتقدير: أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فحذف لفظ بين. وقد روى هذا عن الكسائي، وقيل: إن يضرب بمعنى يجعل فتكون