- أنتم أشد خلقا أم السماء بناها - فوصف خلقها ثم قال - بعد ذلك دحاها - فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وكذلك قوله تعالى - الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض - وقد قيل: إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ودحوها متأخر. وقد ذكر نحو هذا جماعة من أهل العلم، وهذا جمع جيد لابد من المصير إليه، ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو، والآية المذكورة هنا دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء، وهذا يقتضي بقاء الإشكال وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع. وقوله (سبع سماوات) فيه التصريح بأن السماوات سبع، وأما الأرض فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى - ومن الأرض مثلهن - فقيل: أي في العدد، وقيل: أي في غلظهن وما بينهن. وقال الداودي: إن الأرض سبع، ولكن لم يفتق بعضها من بعض.
والصحيح أنها سبع كالسماوات. وقد ثبت في الصحيح قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين " وهو ثابت من حديث عائشة وسعيد بن زيد. ومعنى قوله تعالى (سواهن) سوى سطوحهن بالإملاس، وقيل: جعلهن سواء. قال الرازي في تفسيره: فإن قيل فهل يدل التنصيص على سبع سماوات: أي فقط؟ قلنا: الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد والله أعلم انتهى. وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع. ونحن نقول: إنه لم يأتنا عن الله ولا عن رسوله إلا السبع فنقتصر على ذلك ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع ولم يأت شئ من ذلك، وإنما أثبت لنفسه سبحانه أنه بكل شئ عليم، لأنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه. وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) قال: سخر لكم ما في الأرض جميعا كرامة من الله ونعمة لابن آدم وبلغة ومنفعة إلى أجل. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) قال: سخر لكم ما في الأرض جميعا (ثم استوى إلى السماء) قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك قوله (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات) يقول: خلق سبع سماوات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن فوق بعض. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله (هو الذي خلق لكم ما في الأرض) الآية، قالوا: إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم انبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها سبع أرضين في يومين الأحد والاثنين، فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله - ن والقلم - والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض، فأرسى عليها الجبال فقرت، فذلك قوله تعالى - وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم - وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها، وسخرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك قوله - أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض - إلى قوله وبارك فيها - يقول: أنبت شجرها - وقد فيها أقواتها - يقول: أقوات أهلها - في أربعة أيام سواء للسائلين - يقول:
من سأل فهكذا الأمر، - ثم استوى إلى السماء وهي دخان - وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض - وأوحى في كل سماء أمرها - قال: خلق في كل أسماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد ومالا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا من الشياطين، فلما فرغ