أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلا: أي أقوم دينا، وأرشد طريقا. وقوله (أولئك) إشارة إلى القائلين (الذين لعنهم الله) أي طردهم وأبعدهم من رحمته (ومن يعلن الله فلن تجد له نصيرا) يدفع عنه ما نزل به من عذاب الله وسخطه. قوله (أم لهم نصيب من الملك) أم منقطعة، والاستفهام للإنكار، ويعني ليس لهم نصيب من الملك (فإذن لا يؤتون الناس نقيرا) والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف: أي إن جعل لهم نصيب من الملك فإذن لا يعطون الناس نقيرا منه لشدة بخلهم وقوة حسدهم، وقيل المعنى: بل لهم نصيب من الملك على أن معنى أم الإضراب عن الأول والاستئناف للثاني، وقيل هي عاطفة على محذوف، والتقدير: أهم أولى بالنبوة ممن أرسلته، أم لهم نصيب من الملك، فإذن لا يؤتون الناس نقيرا؟ والنقير: النقرة في ظهر النواة، وقيل ما نقر الرجل بأصبعه كما ينقر الأرض. والنقير أيضا: خشبة تنقر وينبذ فيها. وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النقير كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، والنقير: الأصل، يقال فلان كريم النقير: أي كريم الأصل. والمراد هنا:
المعنى الأول، والمقصود به المبالغة في الحقارة كالقطمير والفتيل. وإذن هنا ملغاة غير عاملة لدخول فاء العطف عليها، ولو نصب لجاز. قال سيبويه: إذن في عوامل الأفعال بمنزلة أظن في عوامل الأسماء التي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها، فإن كانت في أول الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت. قوله (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) أم منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر: أي بل يحسدون الناس يعني اليهود يحسدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط، أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والنصر وقهر الأعداء. قوله (فقد آتينا آل إبراهيم) هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه: أي ليس ما آتينا محمدا وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم، وهم أسلاف محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقد تقدم تفسير الكتاب والحكمة، والملك العظيم، قيل هو ملك سليمان، واختاره ابن جرير (فمنهم) أي اليهود (من آمن به) أي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم (ومنهم من صد عنه) أي أعرض عنه، وقيل الضمير في به راجع إلى ما ذكر من حديث آل إبراهيم، وقيل الضمير راجع إلى إبراهيم. والمعنى:
فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من صد عنه، وقيل الضمير يرجع إلى الكتاب، والأول أولى (وكفى بجهنم سعيرا) أي نارا مسعرة.
وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال: إن اليهود قالوا: إن آباءنا قد توفوا وهم لنا قربة عند الله وسيشفعون لنا ويزكوننا، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم).
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا، قال الله: إني لا أظهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له، ثم أنزل الله (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم). وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن التزكية قولهم - نحن أبناء الله وأحباؤه - وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى -. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولا يظلمون فتيلا) قال: الفتيل: ما خرج من بين الأصبعين. وفي لفظ آخر عنه: هو أن تدلك بين إصبعيك فما خرج منهما فهو ذلك. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عنه قال: النقير: النقرة تكون في النواة التي نبتت منها النخلة. والفتيل: الذي يكون على شق النواة. والقطمير:
القشر الذي يكون على النواة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه: قال الفتيل الذي في الشق الذي في بطن النواة. وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عنه قال: قدم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف مكة على قريش