تحريمها ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى - هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين - وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانهم، فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث، وليست المستمتع بها كذلك. وقد روى عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ.
وروى عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ. وقد قال بجوازها جماعة من الروافض ولا اعتبار بأقوالهم. وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوزون لها، وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه.
وقد طولنا البحث ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوزون لها في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. قوله (فريضة) منتصب على المصدرية المؤكدة أو على الحال: أي مفروضة. قوله (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) أي من زيادة أو نقصان في المهر فإن ذلك سائغ عند التراضي، هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي، وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة، فالمعنى التراضي في زيادة مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه. قوله (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) الطول: الغنى والسعة، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل العلم. ومعنى الآية: فمن لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها على نكاح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات، يقال طال يطول طولا في الإفضال والقدرة، وفلان ذو طول: أي ذو قدرة في ماله. والطول بالضم: ضد القصر. وقال قتادة والنخعي وعطاء والثوري: إن الطول الصبر. ومعنى الآية عندهم أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوجها إذا لم يملك نفسه وخاف أن يبغي بها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة. وقال أبو حنيفة وهو مروي عن مالك: إن الطول المرأة الحرة فمن كان تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة، ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة ولو كان غنيا، وبه قال أبو يوسف، واختاره ابن جرير واحتج له. والقول الأول هو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف، فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره. وقد استدل بقوله (من فتياتكم المؤمنات) على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية، وبه قال أهل الحجاز وجوزه أهل العراق ودخلت الفاء في قوله (فمما ملكت أيمانكم) لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
وقوله (من فتياتكم المؤمنات) في محل نصب على الحال، فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرة. والشرط الثاني ما سيذكره الله سبحانه آخر الآية من قوله (ذلك لمن خشي العنت منكم) فلا يحل للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت. والمراد هنا الأمة المملوكة للغير، وأما أمة الإنسان نفسه فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها، وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها.
والفتيات جمع فتاة، والعرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة. وفي الحديث الصحيح " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي، ولكن ليقل فتاي وفتاتي " قوله (والله أعلم بإيمانكم) غير فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران: أي كلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تستنكفوا من الزواج بالإيماء عند الضرورة، فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر. والجملة اعتراضية. وقوله (بعضكم من بعض) مبتدأ وخبر ومعناه: أنهم متصلون في الأنساب لأنهم جميعا بنو آدم، أو متصلون في الدين لأنهم جميعا أهل ملة واحدة وكتابهم واحد ونبيهم واحد. والمراد بهذا توطئة نفوس العرب، لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء ويستصغرونهم ويغضون