أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا. وحكى عن الضحاك ومجاهد أن الجهالة هنا العمد وقال عكرمة: أمور الدنيا كلها جهالة، ومنه قوله تعالى - إنما الحياة الدنيا لعب ولهو - وقال الزجاج: معناه بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية، وقيل معناه: أنهم لا يعلمون كنه العقوبة، ذكره ابن فورك وضعفه ابن عطية. قوله (ثم يتوبون من قريب) معناه قبل أن يحضرهم الموت كما يدل عليه قوله (حتى إذا حضر أحدهم الموت) وبه قال أبو مجلز والضحاك وعكرمة وغيرهم، والمراد قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه، و " من " في قوله (من قريب) للتبعيض: أي يتوبون بعض زمان قريب، وهو ما عدا وقت ضمور الموت، وقيل معناه قبل المرض، وهو ضعيف، بل باطل لما قدمنا، ولما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وقيل معناه: يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. قوله (فأولئك يتوب الله عليهم) هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم بعد بيانه أن التوبة لهم مقصورة عليهم. وقوله (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب قوله (حتى إذا حضر أحدهم الموت) حتى حرف ابتداء، والجملة المذكورة بعدها غاية لما قبلها، وحضور الموت حضور علاماته وبلوغ المريض إلى حالة السياق ومصيره مغلوبا على نفسه مشغولا بخروجها من بدنه، وهو وقت الغرغرة المذكورة في الحديث السابق، وهي بلوغ روحه حلقومه، قاله الهروي. وقوله (قال إني تبت الآن) أي وقت حضور الموت. قوله (ولا الذين يموتون وهم كفار) معطوف على الموصول في قوله (للذين يعملون السيئات) أي ليس التوبة لأولئك ولا للذين يموتون وهم كفار مع أنه لا توبة لهم رأسا، وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت، وأن وجودها كعدمها.
وقد أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله (واللاتي يأتين الفاحشة) قال كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت، فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت، حتى نزلت الآية في سورة النور - الزانية والزاني فاجلدوا - فجعل الله لهن سبيلا. فمن عمل شيئا جلد وأرسل، وقد روى هذا عنه من وجوه وأخرج أبو داود في سننه عنه والبيهقي في قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله (سبيلا) ثم جمعهما جميعا، فقال (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) ثم نسخ ذلك بآية الجلد، وقد قال بالنسخ جماعة من التابعين، أخرجه أبو داود والبيهقي عن مجاهد وأخرجه عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة، وأخرجه البيهقي في سننه عن الحسن، وأخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، وأخرجه ابن جرير عن السدي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله (واللذان يأتيانها منكم) قال: كان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير وضرب بالنعال، فأنزل الله بعد هذه الآية - والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة - فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (واللذان يأتيانها منكم) قال: الرجلان الفاعلان. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (واللذان يأتيانها منكم) يعني البكرين. وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: الرجل والمرأة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله - التوبة على الله - الآية قال: هذه للمؤمنين وفي قوله (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) قال: هذه لأهل النفاق (ولا الذين يموتون وهم كفار) قال:
هذه لأهل الشرك. وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال: اجتمع