الحيثية لا من جهة أنهم لا يشعرون بأنهم على الفساد. ويحتمل أن فسادهم كان عندهم صلاحا لما استقر في عقولهم من محبة الكفر وعداوة الإسلام. وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال: الفساد هنا هو الكفر والعمل بالمعصية. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إنما نحن مصلحون) أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال: إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا قالوا إنما نحن على الهدى. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمان أنه قرأ هذه الآية فقال: لم يجئ أهل هذه الآية بعد. قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا أنه عني أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد انتهى. ويحتمل أن سلمان يرى أن هذه الآية ليست في المنافقين، بل يحملها على مثل أهل الفتن التي يدين أهلها بوضع السيف في المسلمين، كالخوارج وسائر من يعتقد في فساده أنه صلاح لما يطرأ عليه من الشبه الباطلة.
أي وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحق والصواب، فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافا، فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافا فتسببوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول. وحصر السفاهة وهي رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول فيهم مع كونهم لا يعلمون أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازا، تنزيلا لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم بكونهم عليه وأنهم متصفون به، ولما ذكر الله هنا السفه ناسبه نفي العلم عنهم لأنه لا يتسافه إلا جاهل. والكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف: أي إيمانا كإيمان الناس. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) أي صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول، وأن ما أنزل عليه حق، (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) يعنون أصحاب محمد (ألا إنهم هم السفهاء) يقول: الجهال (ولكن لا يعلمون) يقول: لا يعقلون. وروى عن ابن عساكر في تاريخه بسند واه أنه قال: آمنوا كما آمن الناس أبو بكر وعمر وعثمان وعلي. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله (كما آمن السفهاء) قال: يعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله. وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود: أي إذا قيل لهم: يعني اليهود (آمنوا كما آمن الناس) عبد الله بن سلام وأصحابه (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء).
(لقوا) أصله لقيوا، نقلت الضمة إلى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ومعنى لقيته ولاقيته: استقبلته قريبا. وقرأ محمد بن السميفع اليماني وأبو حنيفة لاقوا، وأصله لاقيوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا،