يشاء) من قول نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل هو من قول نبيهم وهو الظاهر. وقوله (واسع) أي واسع الفضل، يوسع على من يشاء من عباده (عليم) بمن يستحق الملك ويصلح له. والتابوت فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنهم يرجعون إليه: أي علامة ملكه إتيان التابوت الذي أخذ منهم: أي رجوعه إليكم وهو صندوق التوراة. والسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة: أي فيه سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت. قال ابن عطية: الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى. وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بيان بعضها، وكذلك اختلف في البقية، فقيل: هي عصا موسى ورضاض الألواح، وقيل غير ذلك. قيل والمراد بآل موسى وهارون هما أنفسهما: أي مما ترك هارون وموسى، ولفظ آل مقحمة لتفخيم شأنهما، وقيل المراد الأنبياء من بني يعقوب لأنهما من ذرية يعقوب، فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما. وفصل معناه: خرج بهم، فصلت الشئ فانفصل أي قطعته فانقطع، وأصله متعد، يقال فصل نفسه ثم استعمل استعمال اللازم كانفصل، وقيل إن فصل يستعمل لازما ومتعديا، يقال: فصل عن البلد فصولا، وفصل نفسه فصلا. والابتلاء: الاختبار. والنهر: قيل هو بين الأردن وفلسطين، وقرأه الجمهور بنهر بفتح الهاء. وقرأ حميد ومجاهد والأعرج بسكون الهاء. والمراد بهذا الابتلاء اختبار طاعتهم، فمن أطاع في ذلك الماء أطاع فيما عداه، ومن عصى في هذا وغلبته نفسه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى، ورخص لهم في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال، وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش الدافعين أنفسهم عن الرفاهية.
فالمراد بقوله (فمن شرب منه) أي كرع ولم يقتصر على الغرفة، " ومن " ابتدائية. ومعنى قوله (فليس مني) أي ليس من أصحابي من قولهم: فلان من فلان كأنه بعضه لاختلاطهما وطول صحبتهما، وهذا مهيع في كلام العرب معروف، ومنه قول الشاعر:
إذا حاولت في أسد فجورا * فإني لست منك ولست مني وقوله (ومن لم يطعمه) يقال طعمت الشئ: أي ذقته، وأطعمته الماء: أي أذقته، وفيه دليل على أن الماء يقال له طعام، والاغتراف: الأخذ من الشئ باليد أو بآلة، والغرف مثل الاغتراف، والغرفة المرة الواحدة.
وقد قرئ بفتح الغين وضمها، فالفتح للمرة، والضم اسم للشيء المغترف، وقيل بالفتح الغرفة بالكف الواحدة، وبالضم الغرفة بالكفين، وقيل هما لغتان بمعنى واحد، ومنه قول الشاعر:
لا يدلفون إلى ماء بآنية * إلا اغترافا من الغدران بالراح قوله (إلا قليلا) سيأتي بيان عددهم، وقرئ " إلا قليل " ولا وجه له إلا ما قيل من أنه من هجر اللفظ إلى جانب المعنى: أي لم يعطه إلا قليل، وهو تعسف. قوله (فلما جاوزه) أي جاوز النهر طالوت (والذين آمنوا معه) وهم القليل الذين أطاعوه، ولكنهم اختلفوا في قوة اليقين، فبعضهم قال (لا طاقة لنا) و (قال الذين يظنون) أي يتيقنون (أنهم ملاقوا الله) والفئة: الجماعة، والقطعة منهم من فأوت رأسه بالسيف: أي قطعته وقوله (برزوا) أي صاروا في البراز وهو المتسع من الأرض. وجالوت أمير العمالقة. قالوا: أي جميع من معه من المؤمنين، والإفراغ يفيد معنى الكثرة. وقوله (وثبت أقدامنا) هذا عبارة عن القوة وعدم الفشل، يقال:
ثبت قدم فلان على كذا إذا استقر له ولم يزل عنه، وثبت قدمه في الحرب إذا كان الغلب له والنصر معه.