القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه. والله هو الغني الحميد: شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء. وقوله (حسبنا) أي طيبة به نفسه من دون من ولا أذى. وقوله (فيضاعفه) قرأ عاصم وغيره بالألف ونصب الفاء. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي باثبات الألف ورفع الفاء، وقرأ ابن عامر ويعقوب " فيضعفه " بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء. وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشديد ورفع الفاء. فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام، ومن رفع فعلى تقدير مبتدأ: أي هو يضاعفه. وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال. وقيل لا يعلمه إلا الله وحده. وقوله (والله يقبض ويبسط) هذا عام في كل شئ فهو القابض الباسط، والقبض: التقتير، والبسط:
التوسيع، وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض، ولهذا قال (وإليه ترجعون) أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه، وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن إليكم، وإن بخلتم عاقبكم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) قال كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله موتوا فماتوا، فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه: أن القرية التي خرجوا منها داوردان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم هذه القصة مطولة عن أبي مالك وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبد العزيز: أن ديارهم هي أذرعات. وأخرج أيضا عن أبي صالح قال: كانوا تسعة آلاف. وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء، ولا يأتي الاستكثار من طرقها بفائدة. وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي عن الفرار من الطاعون، وعن دخول الأرض التي هو بها من حديث عبد الرحمن بن عوف.
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: " لما نزلت (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله فيه ستمائة نخلة ". وقد أخرج هذه القصة عبد الرزاق وابن جرير من طريق زيد بن أسلم زاد الطبراني عن أبيه عن عمر بن الخطاب وابن مردويه عن أبي هريرة وابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس،.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله (أضعافا كثيرة) قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال " إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة " فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث، فلقيت أبا هريرة فقلت له، فقال: ليس هذا، قلت: ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك إنما، قلت " إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة " ثم قال أبو هريرة: أو ليس تجدون هذا في كتاب الله؟ (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) فالكثيرة عند الله أكثر من ألفي ألف، وألفي ألف، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة ". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال: " لما نزلت - مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل - إلى آخره، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رب زد أمتي فنزلت (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) قال: رب زد أمتي