قوله (وانصرنا على القوم الكافرين) هم جالوت وجنوده. ووضع الظاهر موضع المضمر إظهارا لما هو العلة الموجبة للنصر عليهم وهي كفرهم، وذكر النصر بعد سؤال تثبيت الأقدام، لكون الثاني هو غاية الأول. قوله (فهزموهم بإذن الله) الهزم: الكسر: ومنه سقاء منهزم: أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف، ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل: أي هزمها برجله فخرج الماء، والهزم: ما يكسر من يابس الحطب، وتقدير الكلام فأنزل الله عليهم النصر (فهزموهم بإذن الله) أي بأمره وإرادته. قوله (وقتل داود جالوت) هو داود بن إيشا بكسر الهمزة ثم تحتية ساكنة بعدها معجمة، ويقال داود بن زكريا بن بشوى من سبط يهوذا بن يعقوب جمع الله له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا، وكان أصغر إخوته، اختاره طالوت لمقاتلة جالوت فقتله. والمراد بالحكمة هنا النبوة، وقيل هي تعليمه صنعة الدروع ومنطق الطير، وقيل هي إعطاؤه السلسلة التي كانوا يتحاكمون إليها.
قوله (وعلمه مما يشاء) قيل إن المضارع هنا موضوع موضع الماضي، وفاعل هذا الفعل هو الله تعالى، وقيل داود وظاهر هذا التركيب أن الله سبحانه علمه مما قضت به مشيئته وتعلقت به إرادته، وقد قيل إن من ذلك ما قدمنا من تعليمه صنعة الدروع وما بعده. قوله (ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض) قرأه الجماعة " ولولا دفع الله " وقرأ نافع " دفاع " وهما مصدران لدفع، كذا قال سيبويه. وقال أبو حاتم: دافع ودفع واحد مثل:
طرقت نعلي وطارقته. واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور وأنكر قراءة دفاع، قال: لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد قال مكي: يوهم أبو عبيدة أن هذا من باب المفاعلة وليس به، وعلى القراءتين فالمصدر مضاف إلى الفاعل: أي (ولولا دفع الله الناس) وبعضهم بدل من الناس وهم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد ببعض آخر منهم، وهم الذين يكفونهم عن ذلك ويردونهم عنه (لفسدت الأرض) لتغلب أهل الفساد عليها وإحداثهم للشرور التي تهلك الحرث والنسل وتنكير فضل للتعظيم. وآيات الله: هي ما اشتملت عليه هذه القصة من الأمور المذكورة. والمراد (بالحق) هنا الخبر الصحيح الذي لا ريب فيه عند أهل الكتاب والمطلعين على أخبار العالم. وقوله (إنك لمن المرسلين) إخبار من الله سبحانه بأنه من جملة رسل الله سبحانه تقوية لقلبه وتثبيتا لجنانه وتشييدا لأمره.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل) قال هذا حين رفعت النبوة واستخرج أهل الإيمان، وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم (فلما كتب عليهم القتال) وذلك حين أتاهم التابوت، قال: وكان من إسرائيل سبطان: سبط نبوة، وسبط خلافة، فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة، ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة، (فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا، قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) وليس من أحد السبطين لا من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة (قال إن الله اصطفاه عليكم) فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم: (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية) وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها وجمع ما بقي فجعله في التابوت.
وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت، والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحاء، فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت، فلما رأوا ذلك قالوا نعم فسلموا له وملكوه.
وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعضي موسى من الجنة. وبلغني أن التابوت وعصى موسى في بحيرة طبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.
وقد ورد هذا المعنى مختصرا ومطولا عن جماعة من السلف فلا يأتي التطويل بذكر ذلك بفائدة يعتد بها. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس (وزاده بسطة) يقول: فضيلة (في العلم والجسم)