مؤكدا. وقد ذكر المفسرون أن أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء، وهو الذي يسمونه المعمودية ويجعلون ذلك تطهيرا لهم، فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانيا حقا، فرد الله عليهم بقوله (صبغة الله) أي الإسلام، وسماه صبغة استعارة، ومنه قول بعض شعراء همدان:
وكل أناس لهم صبغة * وصبغة همدان خير الصبغ صبغنا على ذاك أولادنا * فأكرم بصبغتنا في الصبغ وقيل إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام بدلا من معمودية النصارى، ذكره الماوردي. وقال الجوهري: صبغة الله دينه وهو يؤيد ما تقدم عن الفراء، وقيل الصبغة الختان. وقوله (قل أتحاجوننا في الله) أي أتجادلوننا في الله: أي في دينه والقرب منه والحظوة عنده، وذلك كقولهم - نحن أبناء الله وأحباؤه - وقرأ ابن محيصن " أتحاجونا " بالإدغام لاجتماع المثلين. وقوله (وهو ربنا وربكم) أي نشترك نحن وأنتم في ربوبيته لنا وعبوديتنا له، فكيف تدعون أنكم أولى به منا وتحاجوننا في ذلك. وقوله (لنا أعمالنا ولكم أعمالكم) أي لنا أعمال ولكم أعمال فلستم بأولى بالله منا، وهو مثل قوله تعالى - فقل لي عملي ولكم علمكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون -. وقوله (ونحن له مخلصون) أي نحن أهل الإخلاص للعبادة دونكم، وهو المعيار الذي يكون به التفاضل والخصلة التي يكون صاحبها أولى بالله سبحانه من غيره، فكيف تدعون لأنفسكم ما نحن أولى به منكم وأحق؟ وفيه توبيخ لهم وقطع لما جاءوا به من المجادلة والمناظرة. وقوله (أم يقولون) قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " تقولون " بالتاء الفوقية، وعلى هذه القراء تكون أم ها هنا معادلة للهمزة في قوله (أتحاجوننا) أي أتحاجوننا في الله أم تقولون إن هؤلاء الأنبياء على دينكم، وعلى قراءة الياء التحتية تكون أم منقطعة: أي بل يقولون. وقوله (قل أنتم أعلم أم الله) فيه تقريع وتوبيخ: أي أن الله أخبرنا بأنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى وأنتم تدعون أنهم كانوا هودا أو نصارى فهل أنتم أعلم أم الله سبحانه. وقوله (ومن أظلم) استفهام: أي لا أحد أظلم (ممن كتم شهادة عنده من الله) يحتمل أن يريد بذلك الذم لأهل الكتاب بأنهم يعلمون أن هؤلاء الأنبياء ما كانوا هودا ولا نصارى، بل كانوا على الملة الإسلامية، فظلموا أنفسهم بكتمهم لهذه الشهادة بل بادعائهم لما هو مخالف لها، وهو أشد في الذنب ممن اقتصر على مجرد الكتم الذي لا أحد أظلم منه، ويحتمل أن المراد أن المسلمين لو كتموا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منهم، ويكون المراد بذلك التعريض بأهل الكتاب، وقيل المراد هنا ما كتموه من صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وفي قوله (وما الله بغافل عما تعملون) وعيد شديد، وتهديد ليس عليه مزيد، وإعلام بأن الله سبحانه لا يترك عقوبتهم على هذا الظلم القبيح والذنب الفظيع، وكرر قوله سبحانه (تلك أمة قد خلت) إلى آخر الآية لتضمنها معنى التهديد والتخويف الذي هو المقصود في هذا المقام.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (أم كنتم شهداء) يعني أهل الكتاب. وأخرج أيضا عن الحسن في قوله (أم كنتم شهداء) قال: يقول لم يشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت أن لا تعبدوا إلا الله، فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم أنهم مسلمون.
وأخرج عن ابن عباس أنه كان يقول: الجد أب ويتلو الآية. وأخرج أيضا عن أبي العالية في الآية قال: سمى العم أبا. وأخرج أيضا نحوه عن محمد بن كعب. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا