هؤلاء منادى أو منصوبا بما ذكرنا جعل الخبر تقتلون وما بعده. وقوله (تظاهرون) بالتشديد، وأصله تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء لقربها منها في المخرج، وهي قراءة أهل مكة. وقرأ أهل الكوفة " تظاهرون " مخففا بحذف التاء الثانية، لدلالة الأولى عليها. وأصل المظاهرة المعاونة، مشتقة من الظهر لأن بعضهم يقوى بعضا فيكون له كالظهر، ومنه قول الشاعر:
تظاهرتم من كل أوب ووجهة * على واحد لا زلتم قرن واحد ومنه قوله تعالى - وكان الكافر على ربه ظهيرا - وقوله - والملائكة بعد ذلك ظهير -. وأسارى حال. قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول: ما صار في أيديهم فهو أسارى، وما جاء مستأسرا فهو الأسرى. ولا يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو. وإنما هذا كما تقول سكارى وسكرى. وقد قرأ حمزة " أسرى ". وقرأ الباقون " أسارى " والأسرى جمع أسير كالقتلى جمع قتيل والجرحى جمع جريح. قال أبو حاتم: ولا يجوز أسارى. وقال الزجاج:
يقال أسارى كما يقال سكارى. وقال ابن فارس: يقال في جمع أسير أسرى وأسارى انتهى. فالعجب من أبي حاتم حيث ينكر ما ثبت في التنزيل. وقرأ به الجمهور، والأسير مشتق من السير، وهو القيد الذي يشد به المحمل، فسمى أسيرا لأنه يشد وثاقه، والعرب تقول: قد أسرقته: أي شده، ثم سمى كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤخذ.
وقوله (تفادوهم) جواب الشرط، وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي، وقرأ الباقون " تفدوهم ". والفداء: هو ما يوجد من الأسير ليفك به أسره، يقال فداه وفاداه: إذا أعطاه فداءه. قال الشاعر:
قفي فادي أسيرك إن قومي * وقومك ما أرى لهم اجتماعا وقوله (وهو محرم عليكم إخراجهم) الضمير للشأن وقيل مبهم تفسره الجملة التي بعده، وزعم الفراء أن هذا الضمير عماد، واعترض عليه بأن العماد لا يكون في أول الكلام. و (إخراجهم) مرتفع بقوله (محرم) ساد مسد الخبر، وقيل بل مرتفع بالابتداء ومحرم خبره. قال المفسرون: كان الله سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك. بقوله (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض). والخزي: الهوان. قال الجوهري: والخزي بالكسر يخزي خزيا: إذا ذل وهان، وقد وقع هذا الجزاء الذي وعد الله به الملاعين اليهود موفرا، فصاروا في خزي عظيم بما ألصق بهم من الذل والمهانة بالقتل والأسر وضرب الجزية والجلاء، وإنما ردهم الله يوم القيامة إلى أشد العذاب لأنهم جاءوا بذنب شديد ومعصية فظيعة. وقد قرأ الجمهور يردون بالياء التحتية. وقرأ الحسن بالفوقية على الخطاب. وقد تقدم تفسير قوله (وما الله بغافل عما يعملون) وكذلك تفسير (أولئك الذين اشتروا) وقوله (فلا يخفف) إخبار من الله سبحانه بأن اليهود لا يزالون في عذاب موفر لازم لهم بالجزية والصغار والذلة والمهانة، فلا يخفف عنهم ذلك أبدا ما داموا، ولا يوجد لهم ناصر يدفع عنهم، ولا يثبت لهم نصر في أنفسهم على عدوهم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل) قال يؤنبهم أي ميثاقكم. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (وقولوا للناس حسنى) قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وروى البيهقي في الشعب عن علي في قوله (وقولوا للناس حسنى) قال: يعني الناس كلهم، ومثله روى عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس