آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له. قوله (يا قوم) القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء، ومنه قول زهير:
وما أدري وسوف إخال أدري * أقوم آل حصن أم نساء ومنه قوله تعالى - لا يسخر قوم من قوم -، ثم قال - ولا نساء من نساء - ومنه - ولوطا إذ قال لقومه - أراد الرجال، وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى - إنا أرسلنا نوحا إلى قومه - والمراد هنا بالقوم عبدة العجل. والبارئ الخالق، وقيل إن البارئ هو المبدع المحدث، والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال، وفي ذكر البارئ هنا إشارة إلى عظيم جرمهم: أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره. والفاء في قوله " فتوبوا " للسببية: أي لتسبب التوبة عن الظلم، وفي قوله " فاقتلوا " للتعقيب: أي اجعلوا القتل متعقبا للتوبة. قال القرطبي: وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده، قيل قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا، وقيل:
وقف الذين عبدوا العجل ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم. وقوله (فتاب عليكم) قيل في الكلام حذف: أي فقتلتم أنفسكم فتاب عليكم: أي على الباقين منكم. وقيل هو جواب شرط محذوف كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم. وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير: ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم، فهو بعيد جدا كما لا يخفى. وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله (أربعين ليلة) قال: ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة. وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله (من بعد ذلك) قال: من بعد ما اتخذتم العجل. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان) قال: الكتاب هو الفرقان، فرق بين الحق والباطل. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن. وأخرج ابن جرير عنه قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا أنفسهم، واختبأ الذين عكفوا على العجل فجلسوا، وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل، كل من قتل منهم كانت له توبة، وكل من بقي كانت له توبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال: قالوا لموسى ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي. وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة، وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري نحوا مما سبق. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله (إلى بارئكم) قال: خالقكم.
قوله (وإذ قلتم) هذه الجملة معطوفة على التي قبلها، وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى -