قرأ أبو عمرو (وعدنا) بغير ألف، ورجحه أبو عبيدة وأنكر " واعدنا " قال: لأن المواعدة إنما تكون من البشر، فأما من الله فإنما هو التفرد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله - وعدكم وعد الحق - وقوله - وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين - ومثله، قال أبو حاتم ومكي: وإنما قالوا هكذا نظرا إلى أصل المفاعلة أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل وتكون من كل واحد من المتواعدين ونحوهما، ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم:
داويت العليل، وعاقبت اللص، وطارقت النعل، وذلك كثير في كلامهم. وقرأه الجمهور " واعدنا " قال النحاس: وهي أجود وأحسن وليس قوله - وعد الله الذين آمنوا - من هذا في شئ، لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة، وليس هو من الوعد والوعيد في شئ، وإنما هو من قولك: موعدك يوم الجمعة، وموعدك موضع كذا، والفصيح في هذا أن يقال واعدته. قال الزجاج: واعدنا بالألف هاهنا جيد، لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله سبحانه وعد ومن موسى قبول. قوله (أربعين ليلة) قال الزجاج: التقدير تمام أربعين ليلة، وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة. ومعنى قوله (ثم اتخذتم العجل) أي جعلتم العجل إلها من بعده: أي من بعد مضي موسى إلى الطور. وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة. وقالوا: قد اختلف موعده فاتخذوا العجل، وهذا غير بعيد منهم، فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل مخالفة لما يخاطبون به بل ويشاهدونه بأبصارهم، فلا يقال كيف تعدون الأيام والليالي على تلك الصفة، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة، وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم عليه السلام، والجملة في موضع نصب على الحال. وقوله (من بعد ذلك) أي من بعد عبادتكم العجل، وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته كذا قيل، وليس بشئ لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر. وقد كان جعله لهم السامري على صورة العجل. وقوله (لعلكم تشكرون) أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه. وأصل الشكر في اللغة: الظهور من قولهم دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطي من العلف. قال الجوهري الشكر: الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف، يقال شكرته وشكرت له، وباللام أفصح، وقد تقدم معناه، والكشران خلاف الكفران. والكتاب: التوراة بالإجماع من المفسرين. واختلفوا في الفرقان، وقال الفراء وقطرب: المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا الفرقان. وقد قيل إن هذا غلط أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن وليس كذلك، فقد قال تعالى - ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان - وقال الزجاج: إن الفرقان هو الكتاب أعيد ذكره تأكيدا. وحكى نحوه عن الفراء، ومنه قول عنترة:
حييت من طلل تقادم عهده * أقوى وأقفر بعد أم الهيثم وقيل إن الواو صلة، والمعنى: آتينا موسى الكتاب الفرقان، والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام * وليث الكتيبة في المزدحم وقيل المعنى: أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل، وهو كقوله - ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شئ - وقيل الفرقان: الفرق بينهم وبين قوم فرعون، أنجى هؤلاء وأغرق هؤلاء. وقال ابن زيد: الفرقان: انفراق البحر، وقيل الفرقان: الفرج من الكرب، وقيل: إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاه الله من العصا واليد وغيرهما، وهذا أولى وأرجح ويكون العطف على بابه كأنه قال: