أهل كل عصر، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ولا على ما بعده من العصور، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسيره قوله تعالى - إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين - وعند قوله تعالى - ولقد اخترناهم على علم على العالمين - وعند قوله تعالى - إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين - فإن قيل: إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم. قلت: لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزما ما لكونهم أفضل من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقوله تعالى - خير أمة أخرجت للناس - فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات. وقوله (واتقوا يوما) أمر معناه الوعيد، وقد تقدم معنى التقوى. والمراد باليوم يوم القيامة: أي عذابه. وقوله (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) في محل نصب صفة ليوم، والعائد محذوف. قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه. وقال الكسائي هذا خطأ، بل التقدير لا تجزيه. لأن حذف الظرف لا يجوز، ويجوز حذف الضمير وحده. وقد روى عن سيبويه والأخفش والزجاج جواز الأمرين. ومعنى لا تجزي لا تكفي وتقضي، يقال جزا عني هذا الأمر يجزي: أي قضى، واجتزأت بالشيء أجتزي: أي اكتفيت، ومنه قول الشاعر:
فإن الغدر في الأقوام عار * وإن الحر يجزي بالكراع والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تكفي عنها، ومعنى التنكير التحقير: أي شيئا يسيرا حقيرا، وهو منصوب على المفعولية أو على أنه صفة مصدر محذوف: أي جزاء حقيرا والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو الاثنان، تقول استشفعته: أي سألته أن يشفع لي: أي يضم جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ليصل النفع إلى المشفوع له، وسميت الشفعة شفعة لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك. وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو تقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة: وقرأ الباقون بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع. قال الأخفش: الأحسن التذكير.
وضمير منها يرجع إلى النفس المذكورة ثانيا: أي إن جاءت بشفاعة شفيع، ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أولا: أي إذا شفعت لم يقبل منها. والعدل بفتح العين: الفداء وبكسرها: المثل. يقال عدل وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر. وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية. والنصر: العون، والأنصار:
الأعوان، وانتصر الرجل: انتقم، والضمير أي هم يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي، والنفس تذكر وتؤنث. وقوله (إذ نجيناكم) متعلق بقوله (اذكروا) والنجاة: النجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها، ثم سمى كل فائز ناجيا. وآل فرعون: قومه، وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل، وقيل غير ذلك، وهو يضاف إلى ذوي الخطر. قال الأخفش: إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد. ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة. وقال الأخفش: قد سمعناه في البلدان قالوا آل المدينة. واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا، فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق، ومنه قول عبد المطلب:
وانصر على آل الصليب * وعابديه اليوم آلك وفرعون: قيل هو اسم ذلك الملك بعينه - وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة كما يسمى من ملك الفرس كسرى، ومن ملك الروم قيصر، ومن ملك الحبشة النجاشي. واسم فرعون موسى المذكور هنا: قابوس في قول أهل الكتاب. وقال وهب: اسمه الوليد بن مصعب بن الريان. قال المسعودي: لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية. وقال الجوهري: إن كل عات يقال له فرعون، وقد تفرعن وهو ذو فرعنة: أي دهاء ومكر. وقال في