لا تقربوا الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال السفر، فإنه يجوز لكم أن تصلوا بالتيمم، وهذا قول على وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم، قالوا: لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم، لأن الماء قد يعدم في السفر لا في الحضر، فإن الغالب أنه لا يعدم. وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي: عابر السبيل هو المجتاز في المسجد، وهو مروي عن ابن عباس، فيكون معنى الآية على على هذا لا تقربوا مواضع الصلاة: وهي المساجد في حال الجنابة إلا أن تكون مجتازين فيها من جانب إلى جانب، وفي القول الأول قوة من جهة كون الصلاة فيه باقية على معناها الحقيقي، وضعف من جهة ما في حمل عابر السبيل على المسافر، وإن معناه: أنه يقرب الصلاة عند عدم الماء بالتيمم، فإن هذا الحكم يكون في الحاضر إذا عدم الماء، كما يكون في المسافر وفي القول الثاني قوة من جهة عدم التكلف في معنى قوله (إلا عابري سبيل) وضعف من جهة حمل الصلاة على مواضعها، وبالجملة فالحال الأولى، أعني قوله (وأنتم سكارى) تقوى بقاء الصلاة على معناها الحقيقي من دون تقدير مضاف وكذلك ما سيأتي من سبب نزول الآية يقوى ذلك.
وقوله (إلا عابري سبيل) يقوى تقدير المضاف: أي لا تقربوا مواضع الصلاة. ويمكن أن يقال: إن بعض قيود النهى أعني " لا تقربوا " وهو قوله (وأنتم سكارى) يدل على أن المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهي وهو قوله (إلا عابري سبيل) يدل على أن المراد مواضع الصلاة، ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه، ويكون ذلك بمنزلة نهين مقيد كل واحد منهما بقيد، وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى، ولا تقربوا موضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب، وغاية ما يقال في هذا أنه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور. وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين: والأولى قول من قال (ولا جنبا إلا عابري سبيل) إلا مجتازي طريق فيه، وذلك أنه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء، وهو جنب في قوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم ومن الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) فكان معلوما بذلك: أي أن قوله (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) لو كان معنيا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله (وإن كنتم مرضى أو على سفر) معنى مفهوم. وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك، فإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل. قال: والعابر السبيل المجتاز مرا وقطعا، يقال منه: عبرت هذا الطريق فأنا أعبره عبرا وعبورا، ومنه قيل: عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه، ومنه قيل للناقة القوية: هي عبر أسفار لقوتها على قطع الأسفار. قال ابن كثير: وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور، وهو الظاهر من الآية انتهى. قوله (حتى تغتسلوا) غاية للنهي عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجناية. والمعنى: لا تقربوها حال الجناية حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل. قوله (وإن كنتم مرضى) المرض عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ، وهو على ضربين كثير ويسير. والمراد هنا: أن يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء، أو كان ضعيفا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء. وروى عن الحسن أنه يتطهر وإن مات، وهذا باطل يدفعه قوله تعالى " - وما جعل عليكم في الدين من حرج -. وقوله - ولا تقتلوا أنفسكم - وقوله - يريد الله بكم اليسر - قوله (أو على سفر) فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر، والخلاف مبسوط في كتب الفقه، وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط أن يكون سفر قصر، وقال قوم: لا بد من ذلك. وقد أجمع العلماء على جواز التيمم للمسافر. واختلفوا