وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله (لو تسوى بهم الأرض) يعني: أن تسوى الأرض بالجبال والأرض عليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية: يقول ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ولا يكتمون الله حديثا) قال: بجوارحهم.
قوله (يا أيها الذين آمنوا جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين لأنهم كانوا يقربون الصلاة حال السكر، وأما الكفار فهم لا يقربونها سكارى ولا غير سكارى. قوله (لا تقربوا) قال أهل اللغة: إذا قيل لا تقرب بفتح الراء معناه لا تتلبس بالفعل، وإذا كان بضم الراء كان معناه: لا تدن منه. والمراد هنا: النهى عن التلبس بالصلاة وغشيانها.
وبه قال جماعة من المفسرين، وإليه ذهب أبو حنيفة. وقال آخرون المراد مواضع الصلاة، وبه قال الشافعي.
وعلى هذا فلا بد من تقدير مضاف، ويقوى هذا قوله (ولا جنبا إلا عابري سبيل) وقالت طائفة: المراد الصلاة ومواضعها معا، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين. قوله (وأنتم سكارى) الجملة في محل نصب على الحال، وسكارى جمع سكران، مثل كسالي جمع كسلان. وقرأ النخعي " سكرى " بفتح السين، وهو تكسير سكران. وقرأ الأعمش " سكرى " كحبلى صفة مفردة. وقد ذهب العلماء كافة إلى أن المراد بالسكر هنا سكر الخمر، إلا الضحاك فإنه قال: المراد سكر النوم. وسيأتي بيان سبب نزول الآية، وبه يندفع ما يخالف الصواب من هذه الأقوال. قوله (حتى تعلموا ما تقولون) هذا غاية النهى عن قربان الصلاة في حال السكر: أي حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه، فإن السكران لا يعلم ما يقوله وقد تمسك بهذا من قال: إن طلاق السكران لا يقع، لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد. وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة، وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزني. واختاره الطحاوي وقال:
أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز، والسكران معتوه كالموسوس. وأجازت طائفة وقوع طلاقه وهو محكى عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي. واختلف قول الشافعي في ذلك. وقال مالك: يلزمه الطلاق والقود في الجراح والقتل ولا يلزمه النكاح والبيع. قوله (ولا جنبا) عطف على محل الجملة الحالية، وهي قوله (وأنتم سكارى) والجنب لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع لأنه ملحق بالمصدر كالبعد والقرب. قال الفراء: يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة، وقيل يجمع الجنب في لغة على أجناب، مثل عنق وأعناق، وطنب وأطناب. وقوله (إلا عابري سبيل) استثناء مفرغ: أي لا تقربوها في حال من الأحوال إلا في حال عبور السبيل. والمراد به هنا السفر، ويكون محل هذا الاستثناء المفرغ النصب على الحال من ضمير لا تقربوا بعد تقييده بالحال الثانية، وهي قوله (ولا جنبا) لا بالحال الأولى، وهي قوله (وأنتم سكارى) فيصير المعنى: