الاستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك، وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب على الرجل أن يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشئ، ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين. قوله (ولا تقربوهن حتى يطهرن) قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء وضم الهاء. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر " يطهرن " بتشديد الطاء وفتحها وفتح الهاء وتشديدها. وفي مصحف أبي وابن مسعود " ويتطهرن " والطهر انقطاع الحيض، والتطهر: الاغتسال. وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أن الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء. وقال محمد بن كعب القرظي ويحيى بن بكير: إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل. وقال مجاهد وعكرمة: إن انقطاع الدم يحلها لزوجها، ولكن تتوضأ وقال أبو حنفية وأبو يوسف ومحمد: إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها قبل الغسل، وإن كان انقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد.
والأولى أن يقال: إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان: إحداهما انقطاع الدم، والأخرى التطهر منه، والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى، فيجب المصير إليها. وقد دل أن الغاية الأخرى هي المعتبرة. قوله تعالى بعد ذلك (فإذا تطهرن) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر، لا مجرد انقطاع الدم. وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين، فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة، كذلك يجب الجمع بين القراءتين. قوله (فأتوهن من حيث أمركم الله) أي فجامعوهن، وكنى عنه بالإتيان. والمراد أنهم يجامعونهن في المأتى الذي أباحه الله، وهو القبل قيل و (من حيث) بمعنى في حيث، كما في قوله تعالى - إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة - أي في يوم الجمعة، وقوله - ماذا خلقوا من الأرض - أي في الأرض، وقيل إن المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه: أي من غير صوم وإحرام واعتكاف، وقيل إن المعنى ومن قبل الطهر، لا من قبل الحيض، وقيل من قبل الحلال، لا من قبل الزنا. قوله (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) قيل المراد التوابون من الذنوب، والمتطهرون من الجنابة والأحداث، وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهن، وقيل من إتيانهن في الحيض، والأول أظهر. قوله (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم) لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة، إذ هو مزدرع الذرية، كما أن الحرث مزدرع النبات. فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى، أعني قوله (فأتوهن من حيث أمركم الله). وقوله (أني شئتم) أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، إذا كان في موضع الحرث، وأنشد ثعلب:
إنما الأرحام أرضون * لنا محترثات فعلينا الزرع فيها * وعلى الله النبات وإنما عبر سبحانه بقوله (أني) لكونها أعم في اللغة من كيف وأين ومتى. وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف، وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية، وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام. وروى عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك، حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال: وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر " وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر، ووقع هذا