والثاني: أنها سماوات الجنة والنار وأرضهما.
قوله تعالى: (إلا ما شاء ربك) في الاستثناء المذكور في حق أهل النار سبعة أقوال:
أحدها: أن الاستثناء في حق الموحدين الذين يخرجون بالشفاعة، قاله ابن عباس، والضحاك.
والثاني: أنه استثناء لا يفعله، تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وعزيمتك على ضربه، ذكره الفراء، وهو معنى قول أبي صالح عن ابن عباس: " إلا ما شاء ربك " قال: فقد شاء أن يخلدوا فيها. قال الزجاج: وفائدة هذا، أنه لو شاء أن يرحمهم لرحمهم، ولكنه أعلمنا أنهم خالدون أبدا.
والثالث: أن المعنى: خالدين فيها أبدا، غير أن الله تعالى يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم، ثم يجدد خلقهم، فيرجع الاستثناء إلى تلك الحال، قاله ابن مسعود.
والرابع: أن " إلا " بمعنى " سوى " تقول: لو كان معنا رجل إلا زيد، أي: سوى زيد، فالمعنى: خالدين فيها مقدار دوام السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود والزيادة، وهذا اختيار الفراء. قال ابن قتيبة: ومثله في الكلام أن تقول: لأسكننك في هذه الدار حولا إلا ما شئت، تريد: سوى ما شئت أن أزيدك.
والخامس: أنهم إذا حشروا وبعثوا، فهم في شروط القيامة، فالاستثناء واقع في الخلود بمقدار موقفهم في الحساب، فالمعنى: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا مقدار موقفهم للمحاسبة، ذكره الزجاج. وقال ابن كيسان: الاستثناء يعود إلى مكثهم في الدنيا والبرزخ والوقوف للحساب، قال ابن قتيبة: فالمعنى: خالدين في النار وخالدين في الجنة دوام السماء والأرض إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك، فكأنه جعل دوام السماء والأرض بمعنى الأبد على ما كانت العرب تستعمل، وإن كانتا قد تتغيران. واستثنى المشيئة من دوامهما، لأن أهل الجنة والنار قد كانوا في وقت من أوقات دوام السماء والأرض في الدنيا، لا في الجنة، ولا في النار.
والسادس: أن الاستثناء وقع على أن لهم فيها زفيرا وشهيقا، إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي لم تذكر، وكذلك لأهل الجنة نعيم مما ذكر، ولهم مما لم يذكر ما شاء ربك، ذكره الزجاج أيضا.
والسابع: أن " إلا " بمعنى " كما "، ومنه قوله [تعالى]: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف)، ذكره الثعلبي.