أيضا، ولا عود إلى عالم المادة، وليس العالم الإلهي عالما ماديا كما ليست الجنة إلا محطا خاليا عن أحكام المادة والمدة، وما هو خال عنها خال عنهما بالضرورة لما لا جزاف. وتفصيل البراهين يطلب عن محاله.
وبالضرورة لو كانت هي مادية، فلابد أن يكون بينها وبين الماديات نوع نسبة مقولية، ويكون في موضع من هذا العالم قريبا أو بعيدا، والكل غير صحيح، وربما يقتضي بعض الآيات هذا المسلك المعروف بين جمع، وقد سكت المحصلون المفسرون عن الغور في أمثال هذه البحوث الربانية الإلهية، نظرا إلى قصور بالهم وقلة اطلاعهم. وهذا أحسن من ذاك.
أقول: كل هذه الأمور شواهد ومؤيدات لما سلكناه من أن آدم المسجود له وصفي الله علم جنس، وهو آدم الكلي السعي في وجه، ونفس طينة آدم في وجه آخر. وقد علمت أنه تعالى أراد جعل الخليفة في الأرض، وقد خلق ذلك فيها من تراب وطين وماء، وهذه الأمور كلها في الأرض، فليس مخلوقا ابتداء في العوالم الغيبية، ولا خرج بعد ما كان مجعولا للخلافة في الأرض إلى تلك العوالم، بل هو حيوان وطينة مشتملة على جهات شتى روحانية صرفة، ووهمية شيطانية محضة.
ولا دلالة في هذه الآيات، ولا في آيات سورة طه، ولا سورة الأعراف الآتية - إن شاء الله تعالى - على عروجه إلى السماء، كي يلزم ما لزم، مع أن حديث الخرق والالتئام من أباطيل الأسلاف، بل الآيات ظاهرة في أنه بعد ما خلق أمر بالسكنى في جنة الأرض، لا السماء ولاغيرها، والتمسك بألفاظ الهبوط، وقوله تعالى: * (ولكم في الأرض مستقر) * في غير محله، كما مر مرارا، وهكذا التمسك ببعض الألفاظ في سائر السور، ضرورة أن