الحلقة من الخلقة - يمنعك العقل والدين عن التدبر في حدودها والتفكر في كمياتها وكيفياتها والودائع المودعة فيها؟! فكان الأرض وما فيها نحلة لك، وأنت وارث ما في الأرض ومن عليها، ومن موجبات الاهتمام بشأنك ابتدأ بذكر خلق ما في الأرض، نظرا إلى أنه أمس بك وأقرب إليك، وأنت أحوج إليه مما في السماء ومن خصوصياته، ولأجله قال: * (ثم استوى إلى السماء) * واستولى على جهة العلو بالنسبة إلى الأرض * (فسواهن) * السماويات والكائنات الجوية في الجهة العالية والناحية الفوقانية، * (سبع سماوات) * وكثيرا في الحدود التي يكنى عنها بالسبع، فإنه كلمة الكناية، كالسبعين وغيره من الأعداد الكثيرة، كالأربعين والمائة، كل ذلك في هذه المنظومة التي بين أيدينا، * (وهو بكل شئ عليم) *، فيعلم كيفية الخلق والتقدير وكمية السفليات والعلويات، ولزوم تقديم خلق على خلق وغير ذلك فلا يخطر ببالك المناقشة في علة اختيار سبق خلق على خلق، واختيار عدد دون عدد، واصطفاء غاية دون غاية.
وقريب منه: * (هو الذي خلق) * قبل أن يخلقكم * (لكم) * الأرض و * (ما في الأرض جميعا) * فكان خلقكم ووجودكم موقوفا على خلق الأرض وما فيها، فسبقكم في الخلق هذه الأمور لأجل ذلك، ولا يكون ذلك وما في الأرض لكم ومملوككم ومباحا لكم، إلا إذا اقتضى الدليل ذلك، فالحاجة إلى الأرض وما فيها في البقاء قطعية، إلا أن رفع الحاجة بهذه الأشياء لابد وأن يكون بهداية من الله كيفية وكمية، وأما في الحدوث فكل ما في الأرض وما فيها مخلوق لأجل حدوثكم وإيجادكم.