يتحملان الاختيار بالضرورة بمراتبهما المتفاوتة في الجوانح والجوارح.
ومن المحرر في محله: أن العلل المتوسطة والفواعل المتنازلة، علل وفواعل، وإلا يلزم كونه تعالى محطا للحركات وللتركيب الذي هو شر التراكيب، وهذا كفر، ولا تكون يد الله مغلولة، غلت أيديهم بما قالوا * (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) * (1)، فلا يكون منعزلا عن الخلق وممنوعا عن التصرفات، فإنه أفسد، لأنه يرجع إلى الشرك وتكثير الواجب بعدد كثرة الفواعل.
فما هو الخارج عن حدي الإفراط والتفريط، وهو القول الفحل المتوسط هو: أن الوسائط علل، ولكنها غير مستقلة في الفاعلية، فالكفر إذا كان ضلالا يستند إليه تعالى، فيقول * (يضل من يشاء) * (2)، ويستند إليهم * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * (3)، وذلك لأن هذه الحركة التي تصدر الساعة من يراعي، تكون من اليراع بالضرورة ومني بالقطع واليقين، إلا أن المباشر المزاول هو اليراع، والمفيض الموجد هو الله تبارك وتعالى، ولهذه المسألة مصب آخر وموقف أخرى سيمر عليك إن شاء الله تعالى في موضع من هذا الكتاب وقد فصلناه في " قواعدنا الحكمية " وتحريراتنا الفلسفية.
فالكفر مختار العبد إلا أنه من سوء الاختيار، وفي جميع الأحيان يجد وجدانه مختارا في رفضه وفي التحلي بلباس الإيمان، فالآية تدل على جواز التوبيخ والنسبة، ولا تدل على أن الإنسان مستقل في الفاعلية والعلية والتأثير والاختيار.