وطريق ثالثة أوردناها في التي قبلها: عبد الله بن مالك الهمداني عنه مرفوعا (ليس ذلك بشئ).
فإذا نظر المتأمل في طرق هذين القسمين وفي ألفاظهما تبين له بوضوح) غموض فيه أرجحية القسم الأول على الآخر، وذلك لوجهين:
الأول: كثرة الطرق، فإنها ستة، ثلاث منها مرفوعة، وثلاث أخرى موقوفة، واثنتان من الثلاث الأولى صحيحة، والأخرى ضعيفة، وأما القسم الآخر، فكل طرقه ثلاث، اثنتان منها صحيحة أيضا والأخرى ضعيفة، فتقابلت المرفوعات في القسمين قوة وضعفا. وبقي في القسم الأول الموقوفات الثلاث فضلة، يترجح بها على القسم الآخر، لا سيما وهي في حكم المرفوع لأن معناها أن عبد الله بن عمر عمل بما في المرفوع، فلا شك أن ذلك مما يعطي المرفوع قوة على قوة كما هو ظاهر.
والوجه الآخر: قوة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحة لا تقبل التأويل، بخلاف القسم الآخر فهو ممكن التأويل بمثل قول الأمام الشافعي (ولم يرها شيئا لا أي صوابا. وليس نصا في أنه لم يرها طلاقا، بخلاف القسم الأول فهو نص في أنه رآها طلاقا فوجب تقديمه على القسم الآخر، وقد اعترف ابن القيم رحمه الله بهذا، ولكنه شك في صحة المرفوع من هذا القسم فقال: (4 / 50) (وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبي ذئب في آخره:) وهي واحدة (فلعمر الله، لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله (ص) ما قدمنا عليها شيئا ولصرنا إليها بأول وهلة، ولكن لا ندري أقالها ابن وهب من عنده، أم ابن أبي ذئب أو نافع، فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله (ص) ما لا يتيقن أنه من كلامه، ويشهد به عليه، ونرتب عليه الأحكام، ويقال: هذا من عند الله بالوهم والاحتمال).
قلت: وفي هذا الكلام صواب وخطأ.
أما الصواب، هو اعترافه بكون هذه اللفظة نص في المسألة يحب التسليم