قوله (من حسن إسلام المرء) أي من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه (تركه ما لا يعنيه) قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث ما لفظه معنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه والعناية شدة الاهتمام بالشئ يقال عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحا ت التي لا يحتاج إليها فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه انتهى مختصرا قال القاري في معنى تركه ما لا يعنيه أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ونظرا وفكرا وقال وحقيقة ما لا يعنيه مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنا وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة قال الغزالي وحد ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال ومثاله أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما تعجبت منه من مشائخ البلاد ووقائعهم فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشئ مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك ومحاسب على عمل لسانك إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه ولو سبحت الله بنى لك بها قصر في الجنة وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية وأن لا تسلم من الآفات التي ذكرناها انتهى قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان وقال ابن رجب هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقال الترمذي غريب وقد حسنه الشيخ المصنف يعني الإمام النووي لأن رجال إسناده ثقات وقرة بن عبد الرحمن بن جبريل وثقه قوم وضعفه آخرون وقال ابن عبد البر هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية
(٥٠٠)