وحاصله أنهم يمدحونه بكثرة العقل والظرافة والجلادة ويتعجبون منه ولا يمدحون أحدا بكثرة العلم النافع والعمل الصالح (وما في قلبه) حال من الرجل أي والحال أنه ليس في قلبه (مثقال حبة) أي مقدار شئ قليل (من خردل) من بيانية لحبة أي هي خردل (من إيمان) أي كائنا منه قال الطيبي لعله إنما حملهم على تفسير الأمانة في قوله إن الأمانة نزلت با يمان لقوله اخر وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فهلا حملوها على حقيقتها لقوله ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيكون وضع الايمان اخرا موضعها تفخيما لشأنها وحثا على أدائها قال صلى الله عليه وسلم لا دين لمن لا أمانة له قال القاري إنما حملهم عليه ما ذكر اخرا وما صدر أولا من قوله نزلت في جذر قلوب الرجال فإن نزول الأمانة بمعنى الايمان هو المناسب لأصل قلوب المؤمنين ثم يعلمون إيقانه وإيقانهم بتتبع الكتاب والسنة وأما الأمانة فهي جزئية من كلية ما يتعلق با يمان والقران انتهى (قال) أي حذيفة رضي الله عنه (ولقد أتى علي) بتشديد الياء (زمان) كنت أعلم فيه أن الأمانة موجودة في الناس (وما أبالي أيكم بايعت فيه) أي بعت أو اشتريت غير مبال بحاله (لئن) بفتح اللام وكسر الهمزة (ليردنه علي) بتشديد التحتية (دينه) بالرفع على الفاعيلة أي فلا يخونني بل يحمله إسلامه على أداء الأمانة فأنا واثق بأمانته (ليردنه على ساعيه) أي الذي أقيم عليه فهو يقوم بولايته ويستخرج منه حقي وقال في المجمع أي رئيسهم الذي يصدر ون عن رأيه وقيل أي الوالي الذي عليه أي ينصفني مثله وكل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم يعني أن المسلمين كانوا مهتمين با سلام فيحفظون بالصدق والأمانة والملوك ذوو عدل فما كنت أبالي من أعامل إن كان مسلما رده إلى الخروج عن الحق عمله بمقتضى الاسلام وإن كان غير مسلم أنصفني منه عامله على انتهى انتهى (فأما اليوم) فقد ذهبت الأمانة وظهرت الخيانة فلست أثق بأحد في بيع ولا شراء (فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا) أي أفرادا من الناس قلائل ممن أثق بهم فكان يثق بالمسلم لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذي يحكم عليه وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا المسلم فكان واثقا بإنصافه وتخليص حقه من الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير الذي أشار إليه فإنه صار لا يبايع إلا أفرادا من الناس يثق بهم وفيه إشارة إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان وكانت وفاة حذيفة أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل
(٣٣٨)