الزهري سألت أنس بن مالك هل فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت قال أكثر ما كان وأجمه أورده ابن يونس في تاريخ مصر في ترجمة محمد بن سعيد بن أبي مريم (قوله حتى توفاه أكثر ما كان الوحي) أي الزمان الذي وقعت فيه وفاته كان نزول الوحي فيه أكثر من غيره من الأزمنة (قوله ثم توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد) فيه اظهار ما تضمنته الغاية في قوله حتى توفاه الله وهذا الذي وقع أخيرا على خلاف ما وقع أولا فان الوحي في أول البعثة فتر فترة ثم كثر وفى أثناء النزول بمكة لم ينزل من السور الطوال الا القليل ثم بعد الهجرة نزلت السور الطوال المشتملة على غالب الاحكام الا أنه كان الزمن الأخير من الحياة النبوية أكثر الأزمنة نزولا بالسبب المتقدم وبهذا تظهر مناسبة هذا الحديث للتجرمة لتضمنه الإشارة إلى كيفية النزول * الحديث السادس (قوله حدثنا سفيان) هو الثوري وقد تقدم شرح الحديث قريبا في سورة والضحى ووجه ايراده في هذا الباب الإشارة إلى أن تأخير النزول أحيانا انما كان يقع لحكمة تقتضى ذلك لا لقصد تركه أصلا فكان نزوله على انحاء شتى تارة يتتابع وتارة يتارخى وفى انزاله مفرقا وجوه من الحكمة منها تسهيل حفظه لأنه لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه وأشار سبحانه وتعالى إلى ذلك بقوله ردا على الكفار وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أي أنزلناه مفرقا لنثبت به فؤادك وبقوله تعالى وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ومنها ما يستلزمه من الشرف له والعناية به لكثرة تردد رسول ربه إليه يعلمه بأحكام ما يقع له وأجوبة ما يسئل عنه من الاحكام والحوادث ومنها انه أنزل على سبعة أحرف فناسب أن ينزل مفرقا إذ لو نزل دفعة واحدة لشق بيانها عادة ومنها ان الله قدر أن ينسخ من أحكامه ما شاء فكان انزاله مفرقا لينفصل الناسخ من المنسوخ أولى من انزالهما معا وقد ضبط النقلة ترتيب نزول السور كما سيأتي في باب تأليف القرآن ولم يضبطوا من ترتيب نزول الآيات الا قليلا وقد تقدم في تفسير اقرأ باسم ربك انها أول سورة نزلت ومع ذلك فنزل من أولها أولا خمس آيات ثم نزل باقيها بعد ذلك وكذلك سورة المدثر التي نزلت بعدها نزل أولها أولا ثم نزل سائرها بعد وأوضح من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس عن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الآيات فيقول ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى * (قوله باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب قرآنا عربيا بلسان عربي مبين) في رواية أبي ذر لقول الله تعالى قرآنا إلى آخره وأما نزوله بلغة قريش فمذكور في الباب من قول عثمان وقد أخرج أبو داود من طريق كعب الأنصاري أن عمر كتب إلى ابن مسعود أن القرآن نزل بلسان قريش فأقرئ الناس بلغة قريش لا بلغة هذيل وأما عطف العرب عليه فمن عطف العام على الخاص لان قريشا من العرب وأما ما ذكره من الآيتين فهو حجة لذلك وقد أخرج ابن أبي داود في المصافب من طريق أخرى عن عمر قال إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلسان مضر اه ومضر هو ابن نزار بن معد بن عدنان واليه ينتهى أنساب قريش وقيس وهذيل وغيرهم وقال القاضي أبو بكر بن الباقلاني معنى قول عثمان نزل القرآن بلسان قريش أي معظمه وأنه لم تقم دلالة قاطعة على أن جميعه بلسان قريش فان ظاهر قوله تعالى انا جعلناه قرآنا عربيا انه نزل
(٧)