(قوله لبث النبي صلى الله وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين) كذا للكشميهني ولغيره وبالمدينة عشرا بابها المعدود وهذا ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم عاش ستين سنة إذا انضم إلى المشهور انه بعث على رأس الأربعين لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية فان كل من روى عنه أنه عاش ستين سنة أو أكثر من ثلاث وستين جاء عنه أنه عاش ثلاث وستين فالمعتد انه عاش ثلاثا وستين وما يخالف ذلك اما أن يحمل على الغاء الكسر في السنين واما على جبر الكسر في الشهور وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع بينه وبين المشهور بوجه آخر وهو أنه بعث على رأس الأربعين فكانت مدة وحى المنام ستة أشهر إلى أن نزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة ثم فتر الوحي ثم تواتر وتتابع فكانت مدة تواتره وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة أو أنه على رأس الأربعين قرن به ميكائيل أو إسرافيل فكان يلقى إليه الكلمة أو الشئ مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل ثم قرن به جبريل فكان ينزل عليه بالقرآن مدة عشر سنين بمكة ويؤخذ من هذا الحديث مما يتعلق بالترجمة انه نزل مفرقا ولم ينزل جملة واحدة ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة وقرأ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية وفى رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل فرق في السنين وفى أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا وضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم واسناده صحيح ووقع في المنهاج الحليمي ان جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وان جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضا غريب والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة باسناد صحيح وسيأتى مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب وقد تقدم في بدء الوحي أن أول نزل جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان وسيأتى في هذا الكتاب أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في شهر رمضان وفى ذلك حكمتان إحداهما تعاهده والاخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفح ما نسخ فكان رمضان ظرفا لانزاله جملة وتفصيلا وعرضا واحكاما وقد أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان وهذا كله مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله تعالى انا أنزلناه في ليلة القدر فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع
(٣)