الوحي وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ولم ير جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين كما ثبت في الصحيحين ومن هنا يتبين وجه دخول حديث أسامة هذا في هذا الباب قالوا وفيه فضيلة لام سلمة ولدحية وفيه نظر لان أكثر الصحابة رأوا جبريل في صورة الرجل لما جاء فسأله عن الايمان والاسلام والاحسان ولان اتفاق الشبه لا يستلزم اثبات فضيلة معنوية وغايته أن يكون له مزية في حسن الصورة حسب وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن قطن حين قال إن الدجال أشبه الناس به فقال أيضرني شبهة قال لا * الحديث الرابع (قوله عن أبيه) هو أبو سعيد المقبري كيسان وقد سمع سعيد المقبري الكثير من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة ووقع الأمران في الصحيحين وهو دال على تثبت سعيد وتحريه (قوله ما من الأنبياء نبي الا أعطى) هذا دال على أن النبي لا بد له من معجزة تقتضى ايمان من شاهدها تصدقه ولا يضره من أصر على المعاندة (قوله من الآيات) أي المعجزات الخوارق (قوله ما مثله آمن عليه البشر) ما موصولة وقعت مفعولا ثانيا لأعطى ومثله مبتدأ وآمن خبره والمثل يطلق ويراد به عين الشئ وما يساويه والمعنى أن كل نبي أعطى آية أو أكثر من شأن من يشاهدها من البشر أن يؤمن به لأجلها وعليه بمعنى اللام أو الباء الموحدة والنكتة في التعبير بها تضمنها معنى الغلبة أي يؤمن بذلك مغلوبا عليه بحيث لا يستطيع دفعه عن نفسه لكن قد يجحد فيعاند كما قال الله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وقال الطيبى الراجع إلى الموصول ضمير المجرور في عليه وهو حال أي مغلوبا عليه في التحدي والمراد بالآيات المعجزات وموقع المثل موقعه من قوله فأتوا بسورة مثله أي على صفته من البيان وعلو الطبقة في البلاغة * (تنبيه) * قوله آمن وقع في رواية حكاها ابن قرقول أو من بضم الهمزة ثم واو وسيأتى في كتاب الاعتصام قال وكتبها بعضهم بالياء الأخيرة بدل الواو في رواية القابسي أمن بغير مد من الأمان والأول هو المعروف (قوله وانما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى) أي ان معجزتي التي تحديت بها الوحي الذي أنزل على وهو القرآن لما اشتمل عليه من الاعجاز الواضح وليس المراد حصر معجزاته فيه ولا أنه لم يؤت من المعجزات ما أوتى من تقدمه بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اختص بها دون غيره لان كل نبي أعطى معجزة خاصة به لم يعطها بعينها غيره تحدى بها قومه وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيا عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة لكنها تلقفت ما صنعوا ولم يقع ذلك بعينه لغيره وكذلك احياء عيسى الموتى وابراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وقيل المراد أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة بخلاف غيره من المعجزات فإنها لا تخلوا عن مثل وقيل المراد أن كل نبي أعطى من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله فلهذا أردفه بقوله فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا وقيل المراد أن الذي أوتيته لا يتطرق إليه تخييل وانما هو كلام معجز لا يقدر أحد أن يأتي بما يتخيل من التشبيه به بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يخيل شبهه فيحتاج من يميز بينهما إلى نظر والنظر عرضة للخطأ فقد
(٥)