مسدد في مسنده من طريق إبراهيم النخعي أن ابن عباس سمع رجلا يقول الحرف الأول فقال ما الحرف الأول قال إن عمر بعث ابن مسعود إلى الكوفة معلما فأخذوا بقراءته فغير عثمان القراءة فهم يدعون قراءة ابن مسعود الحرف الأول فقال ابن عباس انه لآخر حرف عرض به النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل وأخرج النسائي من طريق أبى ظبيان قال قال لي ابن عباس أي القراءتين تقرأ قلت القراءة الأولى قراءة ابن أم عبد يعنى عبد الله بن مسعود قال بل هي الأخيرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض على جبريل الحديث وفى آخره فحضر ذلك ابن مسعود فعلم ما نسخ من ذلك وما بدل واسناده صحيح ويمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح اطلاق الآخرية على كل منهما (قوله أجود بالخير من الريح المرسلة) فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولا وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لان الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لان الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح مبشرات 2 والله الذي أرسل الرياح ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر مدة ارسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الاسناد الحقيقي والمجازى لان الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ومن الريح مجاز فكأنه استعار للريح جودا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزل من جاد وفى تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة لطيفة وهى انه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الأجودية الا أنه تفوت فيه المبالغة لان المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقا وفى الحديث من الفوائد غير ما سبق تعميم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفى كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى ويستفاد منه أن فضل الزمان انما يحصل بزيادة العبادة وفيه أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ وفيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لان الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل ليلة جزأ في جزء من الليلة والسبب في ذلك ما كان يشتغل به في كل ليلة من سوى ذلك من تهجد بالصلاة ومن راحة بدن ومن تعاهد أهل ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرة واحدة وفى السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلة ثم يعيده في بقية الليالي وقد أخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن اما كان ينزل عليه في سائر السنة قال بلى ولكن جبريل كان يعارض مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان ما أنزل الله فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء
(٤١)