أحد الأمور الثلاثة - وهو الهيئة المقتضية لتحقق وصف التقدم في العيب - فأي دليل على إثبات هذا المعنى؟ وإن هو إلا إثبات أحد الأمور (1) المشكوكة بالخصوصية المعلومة بالنوع بالأصل، وهذا مما لا يرتكبه أحد، بل تضحك منه الثكلى! فمتى ما لم يمكن نفي أحد الثلاثة بالأصل - على ما قررت - فإثبات أحدها به بالأولوية، وهذه الأمور الثلاثة متكافئة متضايفة متساوية النسبة إلى الحادثين.
وهذا من أقوى الشواهد على أن أصالة تأخر الحادث ليس معناه التأخر الذي في قبال التقدم، لأنه إثبات لإحدى الصفتين بالأصل، بل المراد بهذا التأخر:
وجوده في الان المتيقن، لا في الان المشكوك وليس في ذلك تقدم وتأخر بذلك المعنى مطلقا.
فكلام المحقق الثاني وغيره من الأساطين: (أنه يعارضه أصالة عدم التقدم) يريدون به: أن التقدم صفة وجودية لا نعلم تحققها والأصل عدمها، وليس أصالة التأخر مستلزما له، ولا دالا عليه.
والمفروض: أن الحكم منوط بالتأخر المقابل للتقدم، لا بمعنى الوجود في الان المتيقن، إذ هو لا يفيد شيئا ما لم يثبت تقدم العيب عليه، وهو غير ثابت، وليس غرضهم نفيه بالأصل، بل الغرض الأصل عدم تحققها إلا بمثبت وهو شرط للحكم، والشك في ثبوته بعد تعارض الأصول كاف. فتأمل بعين الأنصاف تجد الحق من دون اعتساف.
والجواب عن الثاني: أنه قياس مع الفارق، وعدم معارضة الأصول التابعة لمتبوعاتها مسلم، والمثال مقبول، لكن المقام ليس من ذلك، لأن التقدم والتأخر في مرتبة واحدة كالسواد والبياض، ونفي أحدهما مثبت للاخر - مثلا - وبالعكس، وليس إجراء الأصل في أحدهما أصليا حتى لا يكافئه الاخر.