أحد المعرفات حصل الوجود في الذهن، فالمعرف الثاني إما أن يفيد وجودا في الذهن غير الأول، أو يفيد ما أفاد الأول، أو لا يفيد شيئا.
والأخير مخالف لقاعدة العلية، والأوسط تحصيل للحاصل، والأول مخالف للوجدان، إذ نحن بعد ما علمنا شيئا بالدليل لا يفيدنا الدليل الثاني شيئا جديدا.
ويمكن دفع هذا الكلام - مع قطع النظر عن كلام الفاضل المعاصر وأمثاله - بوجهين:
أحدهما: أن يقال: معنى المعرف: الأمارة، ولم يؤخذ في مفهومه حصول معرفة منه بالفعل، وإنما مثله مثل الدليل، فإنه ما يمكن (1) أن يتوصل بالنظر الصحيح فيه إلى المطلوب، ولا يلزم في كونه موصلا عدم وجود موصل غيره، بل المراد كونه بحيث من تنبه له يوصله إلى المراد. والمعرف أيضا معناه: كون الشئ أمارة موصلة لمن لم يكن عنده موصل غير ذلك.
فعند الاجتماع نقول: كلاهما معرفان [بهذا المعنى] (2) بمعنى: أنه لو ارتفع أحدهما كفى الاخر، لا أن هذه المعرفة قد حصلت منهما معا أو من كل منهما.
وهذا هو المتعارف في معنى المعرف والكاشف والدليل، ونحو ذلك.
ونظير هذا المعنى يتعقل في العلتين الحقيقيتين، بمعنى أن يقال: مع اجتماعهما يكون المعلول مستندا إلى أحدهما، ومع ذلك فالاخر أيضا علة، بمعنى: أنه لو لم يكن هناك العلة الأخرى لكان هذا كافيا في وجود هذا الشئ. لكن هذا خروج عن معنى العلية، فإن العلة ما لا يتخلف عنه معلوله، وبعد فرضه كذلك يسمى علة، فإذا وجد إحدى العلتين ووجد المعلول فالعلة الأخرى حينئذ لا تسمى علة.
وبالجملة: يرجع هذا الكلام إلى أن المعرف يراد به: ما لو لم يكن هناك غيره لأثر تأثيرا بالفعل في التعريف. وبهذا المعنى يمكن اجتماع اثنين وإن كانت المعرفة حاصلة من أحدهما. ولو ظهر بطلان أحدهما أو حصل الذهول عنه قام