ففيه خلاف بين العلماء فعند الهادوية وغيرها أن ذلك مباح أيضا وعموم الحديث دليل لهم. وأما النار فاختلف في المراد بها فقيل: أريد بها الحطب الذي يحطبه الناس وقيل أريد الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها وقيل: الحجارة التي تورى منها النار إذا كانت في موات . والأقرب أنه أريد بها النار حقيقة فإن كانت من حطب مملوك فقيل: حكمها حكم أصلها. وقيل يحتمل أنه يأتي فيها الخلاف الذي في الماء وذلك لعموم الحاجة وتسامح الناس في ذلك.
وأما الماء فقد تقدم الكلام فيه وأنه يحرم منع المياه المجتمعة من الأمطار في أرض مباحة وأنه ليس أحد أحق بها من أحد إلا لقرب أرضه منها، ولو كان في أرض مملوكة فكذلك إلا أن صاحب الأرض المملوكة أحق به يسقيها ويسقي ماشيته ويجب بذله لما فضل من ذلك. فلو كان في أرضه أو داره عين نابعة أو بئر احتفرها فإنه لا يملك الماء بل حقه فيه تقديمه في الانتفاع به على غيره وللغير دخول أرضه كما سلف. فإن قيل: فهل يجوز بيع العين والبئر نفسهما؟
قيل: يجوز بيع العين والبئر لان النهي وارد عن بيع فضل الماء لا البئر والعيون في قرارهما فلا نهي عن بيعهما والمشتري لهما أحق بمائهما بقدر كفايته وقد ثبت شراء عثمان لبئر رومة من اليهودي بأمره صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين. فإن قيل: إذا كان الماء لا يملك فكيف تحجر اليهودي البئر حتى باعها من عثمان؟ قيل: هذا كان في أول الاسلام حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وقبل تقرر الاحكام على اليهودي، والنبي صلى الله عليه وسلم أبقاهم أول الأمر على ما كانوا عليه وقررهم على ما تحت أيديهم.
باب الوقف الوقف لغة الحبس يقال وقفت كذا أي حبسته وهو شرعا جنس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح.
1 - (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله (ص) قال: إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له رواه مسلم). ذكره في باب الوقف لأنه فسر العلماء الصدقة الجارية بالوقف وكان أول وقف في الاسلام وقف عمر رضي الله عنه الآتي حديثه. كما أخرجه ابن أبي شيبة: أن أول حبس في الاسلام صدقة عمر، قال الترمذي:
لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل الفقه خلافا في جواز وقف الأرضين. وأشار الشافعي أنه من خصائص الاسلام لا يعلم في الجاهلية. وألفاظه: وقفت وحبست وسبلت وأبدت، فهذه صرائح ألفاظه. وكنايته: تصدقت واختلف في (حرمت) فقيل صريح وقيل غير صريح.
وقوله أو علم ينتفع به: المراد النفع الأخروي فيخرج ما لا نفع فيه كعلم النجوم من حيث أحكام السعادة وضدها. ويدخل فيه من ألف علما نافعا أو نشره فبقي من يرويه عنه وينتفع به. أو كتب علما نافعا ولو بالأجرة مع النية أو وقف كتبا. ولفظ الولد