والذي يشعر به الحديث أنه لا بد من الطلب لان المطل لا يكون إلا معه. ويشمل المطل كل من لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد في نفقة عبده ودل الحديث بمفهوم المخالفة أن مطل العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم ومن لا يقول بالمفهوم يقول لا يسمى العاجز ماطلا. والغني الغائب عنه ماله كالمعدوم. ويؤخذ من هذا أن المعسر لا يطالب حتى يوسر.
قال الشافعي: لو جازت مؤاخذته لكان ظالما والفرض أنه ليس بظالم لعجزه. ويؤخذ منه أنه إذا تعذر على المحال عليه التسليم لفقر لم يكن للمحتال الرجوع إلى المحيل لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغنى فائدة فلما شرطه الشارع علم أنه انتقل انتقالا لا رجوع له كما لو عوض في دينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين. وقالت الحنفية يرجع عند التعذر وشبهوا الحوالة بالضمان وأما إذا جهل الافلاس حال الحوال فله الرجوع.
2 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: توفي رجل منا فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطا ثم قال: عليه دين؟ قلنا: ديناران فانصرف) أي عن الصلاة عليه (فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي فقال رسول الله (ص) حق الغريم منصوب على المصدر مؤكد لمضمون قوله الديناران علي أي حق عليك الحق وثبت عليك وكنت غريما. (وبرئ منهما الميت قال: نعم فصلى عليه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم). وأخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع إلا أن في حديثه ثلاثة دنانير. وكذلك أخرجه أبو داود والطبراني وجمع بينه وبين قوله ديناران أن في حديث الكتاب أنهما كانا ديناران وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه. أو كان الأصل ثلاثة فقضى قبل موته دينارا فمن قال ثلاثة اعتبر أصل الدين ومن قال ديناران اعتبر الباقي. ويحتمل أنهما قصتان وإن كان بعيدا.
وفي رواية الحاكم أنه (ص) جعل إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران حتى كان آخر ذلك أن قال: قضيتهما يا رسول الله قال: الآن بردت جلدته. وروى الدارقطني من حديث علي عليه السلام: كان رسول الله (ص) إذا أتي بجنازة لم يسأل عن شئ من عمل الرجل ويسأل عن دينه فإن قيل عليه دين كف وإن قيل ليس عليه دين صلى، فأتى بجنازة فلما قام ليكبر سأل: هل عليه دين؟ فقالوا:
ديناران فعدل عنه فقال علي: هما علي يا رسول الله وهو برئ منهما، فصلى عليه ثم قال: جزاك الله خيرا وفك الله رهانك - الحديث. قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة عن الميت ولا رجوع له في مال الميت. وفي الحديث دليل على أنه يصح أن يحتمل الواجب غير من وجب عليه وأنه ينفعه ذلك. ويدل على شدة أمر الدين فإنه صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة عليه لأنها شفاعة وشفاعته مقبولة لا ترد والدين لا يسقط إلا بالتأدية. وفي الحديث دليل على أنه لا يكتفى بالظاهر من اللفظ بل لا بد للحاكم في الالزام بالحق من تحقق ألفاظ العقود والاقرارات وأنه إذا ادعى من عليه الحكومة أنه قصد باللفظ