بعدم القصاص إلا أن هذا التصريح في رواية مسلم أقوى في القول بالقصاص وهذا مذهب أهل المدينة فإن كانت الدعوى على واحد معين ثبت القود عليه وإن كانت على جماعة حلفوا وثبتت عليهم الدية عند الشافعية. وفي قول يجب عليهم القصاص والأول الصحيح عنه. فإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا فإن الايمان لازمة للورثة ذكورا كانوا أو إناثا عمدا كان أو خطأ، هذا مذهب الشافعي. ومنها أن يبدأ بأيمان المدعي في القسامة بخلاف غيرها من الدعاوي كما في هذه الرواية ويدل له حديث أبي هريرة: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة وفي إسناده لين إلا أنه قد أخرجه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب ولم يتكلم فيه. قالوا: ولان جنبة المدعي إذا قويت بشهادة أو شبهة صارت اليمين له وهنا الشبهة قوية فصار المدعي في القسامة مشابها للمدعى عليه المتأيد بالبراءة الأصلية. وذهبت الهادوية والحنفية وآخرون إلى أنه يحلف المدعى عليه ولا يمين على المدعين فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإلى هذا جنح البخاري وذلك لان الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف فيه إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه. فإن حلفوا فهل تلزمهم الدية أم لا؟
ذهبت الهادوية إلى أنها تلزمهم الدية بعد الايمان. وذهب آخرون إلى أنهم إذا حلفوا خمسين يمينا برئوا ولادية عليهم وعليه تدل قصة أبي طالب الآتية. واستدل الجماعة المذكورة ومن معهم في إيجاب الدية بأحاديث لا تقوم بها حجة لعدم صحة رفعها عند أئمة هذا الشأن وقوله فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده. وفي لفظ: إنه وداه من إبل الصدقة فقيل: المراد به أنه اقترضها منها وأنه لما تحملها صلى الله عليه وسلم للاصلاح بين الطائفتين كان حكمها حكم القضاء عن الغارم لما غرمه لاصلاح ذات البين فلم يأخذها صلى الله عليه وعلى وسلم لنفسه فإن الصدقة لا تحل له ولكن جرى إعطاء الدية منها مجرى إعطائها في الغرم لاصلاح ذا ت البين. وأما من قال: إنه صلى الله عليه وسلم أعطى ذلك من سهم الغارمين فلا يصح فإن غارم أهل الذمة لا يعطى من الزكاة كذا قيل. قلت: وفيه نظر فإن اليهود لم تلزمهم الدية لأنه لم يحلف المدعون كما عرفت فما وداه صلى الله عليه وسلم إلا تبرعا منه لئلا يهدر دمه.
وأما رواية النسائي: أنه صلى الله عليه وسلم قسمها على اليهود وأعانهم ببعضها فقال ابن القيم:
إن هذا ليس بمحفوظ فإنه الدية لا تلزم المدعى عليهم بمجرد دعوى القتيل بل لا بد من إقرار أو بينة أو أيمان لمدعين ولم يوجد هنا شئ من ذلك. وقد عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدعين أن يحلفوا فأبوا فكيف يلزم اليهود بالدية بمجرد الدعوى؟ انتهى. قلت: ويظهر لي أنه ليس في هذا الحديث حكم منه صلى الله عليه وسلم بالقسامة أصلا كما أفاده الحديث، وإنما دل الحديث على حكاية للواقع لا غير وذكر لهم (ص) قصة الحكم على التقديرين ومن ثمة كتب إلى يهود بعد أن دار بينهم الكلام المذكور وسيأتي تحقيقه. وقوله فكتبوا إنا والله ما قتلناه فيه دليل على الاكتفاء بالمكاتبة وبخبر الواحد مع إمكان المشافهة.
فائدة اختار مالك إجراء هذه الدعوى في الأموال فأجاز شهادة المسلوبين على