ادعى أنه أبيح بعد المنع فعليه البيان. ونوزع ابن حزم في دلالة قوله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي على الصراحة بالتحريم لان التحريم للوأد المحقق الذي هو قطع حياة محققة والعزل وإن شبهه صلى الله عليه وسلم به فإنما هو قطع لما يؤدي إلى الحياة والمشبه دون المشبه به. وإنما سماه وأدا لما تعلق به من قصد منع الحمل وأما علة النهي عن العزل فالأحاديث دالة على أن وجهه أنه معاندة للقدر وهو دال على عدم التفرقة بين الحرة والأمة.
فائدة معالجة المرأة لاسقاط النطفة قبل نفخ الروح يتفرع جوازه وعدمه على الخلاف في العزل ومن أجازه أجاز المعالجة ومن حرمه حرم هذا بالأولى. ويلحق بهذا تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله وقد أفتى بعض الشافعية بالمنع وهو مشكل على قولهم بإباحة العز مطلقا.
12 - (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل الموؤودة الصغرى؟ قال: كذبت اليهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه رواه أحمد وأبو داود واللفظ له والنسائي والطحاوي ورجاله ثقات).
الحديث قد عارض حديث النهي وتسميته (ص) العزل الوأد الخفي وفي هذا كذب اليهود في تسميته الموؤودة الصغرى. وقد جمع بينهما بأن حديث النهي حمل على التنزيه وتكذيب اليهود لأنهم أرادوا التحريم الحقيقي. وقوله: لو أراد أن يخلقه - إلى آخره - معناه أنه تعالى إذا قدر خلق نفس فلا بد من خلقها وأنه يسبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه ولا ينفعكم الحرص على ذلك فقد يسبق الماء من غير شعور العازل لتمام ما قدره الله. وقد أخرج أحمد والبزار من حديث أنس وصححه ابن حبان: أن رجلا سأل عن العزل فقال النبي (ص): لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود.
13 - (وعن جابر رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل لو كان شئ ينهى عنه لنهانا عنه القرآن. متفق عليه) إلا أن قوله: لو كان شئ ينهى عنه إلى آخره لم يذكره البخاري وإنما رواه مسلم من كلام سفيان أحد رواته وظاهره أنه قاله استنباطا. قال المصنف في الفتح: تتبعت المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة اه. وقد وقع لصاحب العمدة مثل ما وقع للمصنف هنا فجعل الزيادة من الحديث. وشرحها ابن دقيق العيد واستغرب استدلال جابر بتقرير الله لهم. (ولمسلم) أي عن جابر (فبلغ ذلك نبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا عنه). فدل تقريره صلى الله عليه وسلم لهم على جوازه وقد قيل: إنه أراد جابر بالقرآن ما يقرأ أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحي إليه فكأنه يقول: فعلنا في زمن التشريع ولو كان حراما لم نقر عليه قيل: فيزول استغراب ابن دقيق العيد إلا أنه لا بد من علم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم فعلوه. والحديث دليل على جواز العزل ولا ينافيه كراهة التنزيه كما دل له أحاديث النهي