هذا حديث غير محفوظ وأما الرواية عن علي عليه السلام فرواها البيهقي وغيره. وفي الحديث مسائل: الأولى: جواز قتال البغاة وهو إجماع لقوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي) *. قلت: والآية دالة على الوجوب وبه قالت الهادوية ولكن شرطوا ظن الغلبة. وعند جماعة من العلماء أن قتالهم أفضل من قتال الكفار. قالوا: لما يلحق المسلمين من الضرر منهم.
واعلم أنه يتعين أولا قبل قتالهم دعاؤهم إلى الرجوع عن البغي وتكرير الدعاء كما فعل علي رضي الله عنه في الخوارج فإنهم لما فارقوه أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف وكانوا ثمانية آلاف وبقي أربعة أبوا أن يرجعوا وأصروا على فراقه فأرسل إليهم كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا ولا تظلموا أحدا " فقتلوا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بقروا بطن سريته وهي حبلى وأخرجوا ما في بطنها فبلغ عليا كرم الله وجهه فكتب إليهم: أقيدونا بقاتل عبد الله بن خباب فقالوا: كلنا قتله، فأذن حينئذ في قتالهم وهي روايات ثابتة ساقها المصنف في فتح الباري. المسألة الثانية: أنه لا يجهز على جريحها، وهو من أجهز على الجريح وجهز أي بت قتله وأسرعه وتمم عليه ودليله قوله: ولا يجهز على جريحها. وأخرج البيهقي أن عليا عليه السلام قال لأصحابه يوم الجمل: إذا ظهرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح وانظروا ما حضرت به الحرب من آلته فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثته قال البيهقي: هذا منقطع والصحيح أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا. ودل الحديث أيضا على أنه لا يقتل أسير البغاة قالوا: وهذا خاص بالبغاة لان قتالهم إنما هو لدفعهم عن المحاربة.
ودل الحديث أيضا على أنه لا يطلب هاربها وظاهره ولو كان متحيزا إلى فئة وإلى هذا ذهب الشافعي. قال: لان القصد دفعهم في تلك الحال وقد وقع. وذهبت الهادوية والحنفية إلى أن الهارب إلى فئة يقتل إذ لا يؤمن عوده، والحديث يرد هذا القول وكذا ما تقدم من كلام علي عليه السلام. المسألة الثالثة: قوله: لا يقسم فيؤها أي لا يغنم فيقسم، دال على أن أموال البغاة لا تغنم وإن أجلبوا بها إلى دار الحرب وإلى هذا ذهبت الشافعية والحنفية وأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه. وقد صحح البيهقي أن عليا عليه السلام لم يأخذ سلبا فأخرجه عن الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عليا عليه السلام: كان لا يأخذ سلبا. وأخرج أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عليا عليه السلام يوم البصرة لم يأخذ من متاعهم شيئا. وأخرج عن أبي أمامة قال شهدت يوم صفين وكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا. وذهبت الهادوية إلى أنه يغنم ما أجلبوا به من مال وآلة حرب ويخمس لقول علي عليه السلام: لكم المعسكر وما حوى. وأجيب بأن الحديث مصرح بأنها لا تغنه وبأن ما ذكرناه عن علي عليه السلام مما يوافق الحديث أكثر وأقوى طريقا. المسألة الرابعة: يؤخذ من اطلاق قوله: ولا يجهز على جريحها أنه لا يضمن البغاة ما أتلفوا في القتال من الدماء والأموال وإليه ذهب الامام يحيى