على أن حق الله هو القتل والصلب وقطع الأيدي وقطع الأرجل من خلاف، والنفي على ما نص الله تعالى في آية الحرابة. واختلفوا في هذه العقوبات، هل هي على التخيير أو مرتبة على قدر جناية المحارب؟ فقال مالك: إن قتل فلا بد مقتله، وليس للامام تخيير في قطعه ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه. وأما إن أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف. وأما إذا أخاف السبيل فقط فالامام عنده مخير في قتله أو صلبه أو قطعه أو نفيه. ومعنى التخيير عنده أن الامر راجع في ذلك إلى اجتهاد الامام، فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير، فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه، لان القطع لا يرفع ضرره. وإن كان لا رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف، وإن كان ليس فيه شئ من هاتين الصفتين أخذ بأيسر ذلك فيه، وهو الضرب والنفي. وذهب الشافعي وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى أن هذه العقوبة هي مرتبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها عليه، فلا يقتل من المحاربين إلا من قتل، ولا يقطع إلا من أخذ المال، ولا ينفي إلا من لم يأخذ المال ولا قتل. وقال قوم: بل الامام مخير فيهم على الاطلاق، وسواء قتل أو لم يقتل، أخذ المال أو لم يأخذه. وسبب الخلاف: هل حرف أو في الآية للتخيير أو للتفصيل على حسب جناياتهم؟ ومالك حمل البعض من المحاربين على التفصيل والبعض على التخيير. واختلفوا في معنى قوله: * (أو يصلبوا) * فقال قوم: إنه يصلب حتى يموت جوعا، وقال قوم: بل معنى ذلك أنه يقتل ويصلب معا، وهؤلاء منهم من قال: يقتل أولا ثم يصلب، وهو قول أشهب، وقيل إنه يصلب حيا ثم يقتل في الخشبة، وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون، ومن رأى أنه يقتل أولا ثم يصلب صلى عليه عنده قبل الصلب، ومن رأى أنه يقتل في الخشبة فقال بعضهم:
لا يصلي عليه تنكيلا له، وقيل: يقف خلف الخشبة ويصلي عليه. وقال سحنون: إذا قتل في الخشبة أنزل منها وصلي عليه. وهل يعاد إلى الخشبة بعد الصلاة؟ فيه قولان عنه، وذهب أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام. وأما قوله: * (أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلا ف) * فمعناه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ورجل اليمنى. واختلف إذا لم تكن له اليمنى، فقال ابن القاسم: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، وقال أشهب: تقطع يده اليسرى ورجله اليسرى. واختلف أيضا في قول:
* (أو ينفوا من الأرض) * فقيل: إن النفي هو السجن، وقيل: إن النفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته، وهو قول ابن القاسم عن مالك، ويكون بين البلدين أقل ما تقصر فيه الصلاة، والقولان عن مالك، وبالأول قال أبو حنيفة، وقال ابن الماجشون: معنى النفي هو فرارهم من الامام لإقامة الحد عليهم، فأما أن ينفى بعد أن يقدر عليه فلا، وقال الشافعي: أما النفي فغير مقصود، ولكن إن هربوا شردناهم في البلاد بالاتباع. وقيل: هي عقوبة مقصودة، فقيل على هذا ينفي ويسجن دائما وكلها عن الشافعي، وقيل معنى * (أو ينفوا) *: أي من أرض