الوارد في الحلف على منبر النبي (ص) يفهم منه وجوب الحلف على المنبر أم لا؟ فمن قال: إنه يفهم منه ذلك قال: لأنه لو لم يفهم منه ذلك لم يكن للتغليظ في ذلك معنى، ومن قال للتغليظ معنى غير الحكم بوجوب اليمين على المنبر قال: لا يجب الحلف على المنبر، والحديث الوارد في التغليظ هو حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله (ص) قال: من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار واحتج هؤلاء بالعمل فقالوا: هو عمل الخلفاء. قال الشافعي: لم يزل عليه العمل بالمدينة وبمكة.
قالوا: ولو كان التغليظ لا يفهم منه إيجاب اليمين في الموضع المغلظ لم يكن له فائدة إلا تجنب اليمين في ذلك الموضع. قالوا: وكما أن التغليظ الوارد في اليمين مجردا مثل قوله عليه الصلاة والسلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار يفهم منه وجوب القضاء باليمين، وكذلك التغليظ الوارد في المكان. وقال الفريق الاخر: لا يفهم من التغليب باليمن وجوب الحكم باليمن، وإذ لم يفهم من تغليظ اليمين وجوب الحكم باليمين لم يفهم من تغليظ اليمين بالمكان وجوب اليمين بالمكان وليس فيه إجماع من الصحابة، والاختلاف فيه مفهوم من قضية زيد بن ثابت. وتغلظ بالمكان عند مالك في القسامة واللعان، وكذلك بالزمان لأنه قال في اللعان أن يكون بعد صلاة العصر على ما جاء في التغليظ فيمن حلف بعد العصر. وأما القضاء باليمين مع الشاهد فإنهم اختلفوا فيه. فقال مالك والشافعي وأحمد وداود وأبو ثور والفقهاء السبعة المدنيون وجماعة:
يقضي اليمين مع الشاهد في الأموال. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي وجمهور أهل العراق: لا يقضي باليمن مع الشاهد في شئ، وبه قال الليث من أصحاب مالك. وسبب الخلاف في هذا الباب: تعارض السماع. أما القائلون به فإنهم تعلقوا في ذلك آثار كثيرة، منها حديث ابن عباس، وحديث أبي هريرة، وحديث زيد بن ثابت، وحديث جابر، إلا أن الذي خرج مسلم منها حديث ابن عباس، ولفظه أن رسول الله (ص) قضى باليمين مع الشاهد أخرجه مسلم ولم يخرجه البخاري. وأما مالك فإنما اعتمد مرسله في ذلك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله (ص) قضى باليمين مع الشاهد لان العمل عنده بالمراسيل واجب. وأما السماع المخالف لها فقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) * قالوا: وهذا يقتضي الحصر فالزيادة عليه نسخ، ولا ينسخ القرآن بالسنة الغير متواترة، وعند المخالف أنه ليس بنسخ بل زيادة لا تغير حكم المزيد. وأما السنة فما خرجه البخاري ومسلم عن الأشعث بن قيس قال:
كان بيني وبين رجل خصومة في شئ، فاختصمنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: