سواه إذا كان الأب عدلا. وعمدتهم قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) * والامر بالشئ يقتضي إجزاء المأمور به إلا ما خصصه الاجماع من شهاد المرء لنفسه. وأما من طريق النظر، فإن لهم أن يقولوا رد الشهادة بالجملة إنما هو لموضع اتهام الكذب، وهذه التهمة إنما اعتملها الشرع في الفاسق ومنع إعمالها في العادل، فلا تجتمع مع التهمة. أما النظر في العدد والجنس، فإن المسلمين اتفقوا على أنه لا يثبت الزنا بأقل من أربعة عدول ذكور، واتفقوا على أنه تثبت جميع الحقوق ما عدا الزنا بشاهدين عدلين ذكرين ما خلا الحسن البصري، فإنه قال: لا تقبل بأقل من أربعة شهداء تشبيها بالرجم، وهذا ضعيف لقوله سبحانه:
* (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) * وكل متفق أن الحكم يجب بالشاهدين غير يمين المدعي، إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا بد من يمينه. واتفقوا على أنه تثبت الأموال بشاهد عدل ذكر وامرأتين لقوله تعالى: * (فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء) *.
واختلفوا في قبولهما في الحدود، فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات، وقال أهل الظاهر: تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شئ على ظاهر الآية، وقال أبو حنيفة: تقبل في الأموال وفيما عدا الحدود من أحكام الأبدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق، ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن. واختلف أصحاب مالك في قبولهن في حقوق الأبدان المتعلقة بالمال، مثل الوكالات والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال فقط، فقال مالك وابن القاسم وابن وهب: يقبل فيه شاهد وامرأتان، وقال أشهب وابن الماجشون: لا يقبل فيه إلا رجلان. وأما شهادة النساء مفردات، أعني النساء دون الرجال فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء.
ولا خلاف في شئ من هذا إلا في الرضاع، فإن أبا حنيفة قال: لا تقبل فيه شهادتهن إلا مع الرجال، لأنه عنده من حقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال والنساء. والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في هذا الجنس اختلفوا في العدد المشترط في ذلك منهن، فقال مالك: يكفي في ذلك امرأتان، قيل مع انتشار الامر، وقيل إن لم ينتشر، وقال الشافعي: ليس يكفي في ذلك أقل من أربع. لان الله عز وجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين، واشترط الاثنينية، وقال قوم: لا يكفي بذلك بأقل من ثلاث وهو قول لا معنى له، وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة، وأحسب أن الظاهرية أو بعضهم لا يجيزون شهادة النساء مفردات في كل شئ كما يجيزون مع