ذهب الشم أو لم يذهب، وعنده أنه إذا ذهب أحدهما ففيه الدية، وفي ذهاب أحدهما بعد الآخر الدية الكاملة. وأجمعوا على أن في الذكر الصحيح الذي يكون به الوطئ الدية كاملة. واختلفوا في ذكر العنين والخصي، كما اختلفوا في لسان الأخرس وفي اليد الشلاء، فمنهم من جعل فيها الدية، ومنهم من جعل فيها حكومة، ومنهم من قال: في ذكر الخصي والعنين ثلث الدية، والذي عليه الجمهور أن فيه حكومة. وأقل ما تجب فيه الدية عند مالك قطع الحشفة، ثم في باقي الذكر حكومة، وأما عين الأعور فللعلماء فيه قولان: أحدهما أن فيه الدية كاملة وإليه ذهب مالك وجماعة من أهل المدينة، وبه قال الليث، وقضى به عمر بن عبد العزيز، وهو قول ابن عمر، وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري: فيها نصف الدية كما في عين الصحيح، وهو مروي عن جماعة من التابعين.
وعمدة الفريق الأول: أن العين الواحدة للأعور بمنزلة العينين جميعا لغير الأعور، وعمدة الفريق الثاني: حديث عمرو بن حزم: أعني عموم قوله: وفي العين نصف الدية وقياسا أيضا على إجماعهم أنه ليس على من قطع يد من له يد واحدة إلا نصف الدية.
فسبب اختلافهم في هذا: معارضة العموم للقياس، ومعارضة القياس للقياس. ومن أحسن ما قيل فيمن ضرب عين رجل فأذهب بعض بصرها ما روي من ذلك عن علي رضي الله عنه أنه أمر بالذي أصيب بصره بأن عصبت عينه الصحيحة، وأعطى رجلا بيضة فانطلق بها وهو ينظر إليها حتى لم يبصرها، فخط عند أول ذلك خطا في الأرض ثم أمر بعينه المصابة فعصبت وفتحت الصحيحة، وأعطى رجلا البيضة بعينها فانطلق بها وهو ينظر إليها حتى خفيت عنه، فخط أيضا عند أول ما خفيت عنه في الأرض خطا، ثم علم ما بين الخطين من المسافة، وعلم مقدار ذلك من منتهى رؤية العين الصحيحة، فأعطاه قدر ذلك من الدية.
ويختبر صدقه في مسافة إدراك العين العليلة والصحيحة بأن يختبر ذلك منه مرارا شتى في مواضع مختلفة، فإن خرجت مسافة تلك المواضع التي ذكر واحدة علمنا أنه صادق.
واختلف العلماء في الجناية على العين القائمة الشكل التي ذهب بصرها. فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: فيها حكومة، وقال زيد بن ثابت: فيها عشر الدية مائة دينار، وحمل ذلك الشافعي على أنه كان ذلك من زيد تقويما لا تفويتا. وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس أنهما قضيا في العين القائمة الشكل واليد الشلاء والسن السوداء في كل واحدة منها ثلث الدية. وقال مالك: تتم دية السن باسودادها ثم في قلعها بعد اسودادها دية. واختلف العلماء في الأعور يفقأ عين الصحيح عمدا، فقال الجمهور إن لم يعف فله القود، وإن عفا فله الدية، قال قوم: كاملة، وقال قوم: نصفها، وبه قال الشافعي وابن القاسم، وبكلا القولين قال مالك: وبالدية كاملة قال المغيرة من أصحابه وابن دينار. وقال الكوفيون: ليس للصحيح الذي فقئت عينه إلا القود أو ما اصطلحوا عليه. وعمدة من رأى