النفوس. وعمدة من قتل الواحد بالواحد قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين) * وأما قتل الذكر بالأنثى، فإن ابن المنذر وغيره ممن ذكر الخلاف حكى أنه إجماع إلا ما حكي عن علي من الصحابة، وعن عثمان البتي أنه إذ قتل الرجل بالمرأة كان على أولياء المرأة نصف الدية. وحكى القاضي أبو الوليد الباجي في المنتقى عن الحسن البصري، أنه لا يقتل الذكر بالأنثى، وحكاه الخطابي في معالم السنن، وهو شاذ، ولكن دليله قوي لقوله تعالى: * (والأنثى بالأنثى) * وإن كان يعارض دليل الخطاب ههنا العموم الذي في قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * لكن يدخله أن هذا الخطاب وارد في غير شريعتنا، وهي مسألة مختلف فيها، أعني هل شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ والاعتماد في قتل الرجل بالمرأة هو النظر إلى المصلحة العامة. واختلفوا من هذا الباب في الأب والابن، فقال مالك: لا يقاد الأب بالابن إلا أن يضجعه فيذبحه، فأما إن حذفه بسيف أو عصا فقتله لم يقتل، وكذلك الجد عنده مع حفيده. وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري: لا يقاد الوالد بولده ولا الجد بحفيده إذا قتله بأي وجه كان من أوجه العمد، وبه قال جمهور العلماء. وعمدتهم حديث ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد. وعمدة مالك عموم القصاص بين المسلمين.
وسبب اختلافهم: ما رووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنا له بالسيف فأصاب ساقه، فنزف جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر له، فقال له عمر: أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقه وثلاثين وأربعين خلفة، ثم قال: أين أخو المقتول؟ فقال: ها أنا ذا، قال: خذها، فإن رسول الله (ص) قال:
ليس لقاتل شئ فإن مالكا حمل هذا الحديث على أنه لم يكن عمدا محضا، وأثبت منه شبه العمد فيما بين الابن والأب. وأما الجمهور فحملوه على ظاهره من أنه عمد لإجماعهم أن من حذف آخر بسيف فقتله فهو عمد. وأما مالك فرأى لما للأب من التسلط على تأديب ابنه ومن المحبة له أن حمل القتل الذي يكون في أمثال هذه الأحوال على أنه ليس بعمد ولم يتهمه إذ كان ليس بقتل غيلة فإنما يحمل فاعله على أنه قصد القتل من جهة غلبة الظن وقوة التهمة، إذ كانت النيات لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فمالك لم يتهم الأب حيث اتهم الأجنبي، لقوة المحبة التي بين الأب والابن. والجمهور إنما عللوا درء الحد عن الأب لمكان حقه على الابن. والذي يجئ على أصول أهل الظاهر أن يقاد، فهذا هو القول في الموجب.