العلة التي تمسك بها الجمهور، وصارت علتهم أولى، لان العلة المنصوص عليها أولى من المستنبطة. فسبب اختلافهم: تعارض الآثار في هذا الباب وتعارض القياس. وأما الاعتاق الذي يكون بالمثلة، فإن العلماء اختلفوا فيه، فقال مالك والليث والأوزاعي، من مثل بعبده أعتق عليه، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يعتق عليه وشذ الأوزاعي فقال: من مثل بعبد غيره أعتق عليه والجمهور على أنه يضمن ما نقص من قيمة العبد، فمالك ومن قال بقوله اعتمد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن زنباعا وجد غلاما مع جارية، فقطع ذكره وجدع أنفه، فأتى النبي (ص) فذكر ذلك له، فقال له النبي (ص): ما حملك على ما فعلت؟ فقال: فعل كذا وكذا، فقال النبي (ص): اذهب فأنت حر. وعمدة الفريق الثاني قوله (ص) في حديث ابن عمر: من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه قالوا: فلم يلزم العتق في ذلك وإنما ندب إليه، ولهم من طريق المعنى أن الأصل في الشرع هو أنه لا يكره السيد على عتق عبده إلا ما خصصه الدليل. وأحاديث عمرو بن شعيب مختلف في صحتها، فلم تبلغ من القوة أن يخصص بها مثل هذه القاعدة. وأما هل يعتق على الانسان أحد من قرابته، وإن عتق فمن يعتق؟ فإنهم اختلفوا في ذلك، فجمهور العلماء على أنه يعتق على الرجل بالقرابة، إلا داود وأصحابه، فإنهم لم يروا أن يعتق أحد على أحد من قبل قربى، والذين قالوا بالعتق اختلفوا فيمن يعتق ممن لا يعتق بعد اتفاقهم على أنه يعتق على الرجل أبوه وولده، فقال مالك: يعتق على الرجل ثلاثة. أحدها: أصوله وهم الآباء والأجداد والجدات والأمهات وآباؤهم وأمهاتهم، وبالجملة كل من كان له على الانسان ولادة. والثاني: فروعه، وهم: الأبناء والبنات وولدهم مهما سلفوا، سواء في ذلك ولد البنين وولد البنات، وبالجملة كل من للرجل عليه ولادة بغير توسط أو بتوسط، ذكر أو أنثى. والثالث: الفروع المشاركة له في أصله القريب وهم الاخوة، وسواء أكانوا لأب وأم، أو لأب فقط، أو لأم فقط، واقتصر من هذا العمود على القريب فقط، فلم يوجب عتق بني الاخوة. وأما الشافعي فقال مثل قول مالك في العمودين الأعلى والأسفل، وخالفه في الاخوة فلم يوجب عتقهم. وأما أبو حنيفة فأوجب عتق كل ذي رحم محرم بالنسب كالعم والعمة والخال والخالة وبنات الأخ، ومن أشبههم ممن هو من الانسان ذو محرم. وسبب اختلاف: أهل الظاهر مع الجمهور اختلافهم في مفهوم الحديث الثالث، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: لا يجزي ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه خرجه مسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم، فقال الجمهور: يفهم من هذا أنه إذا اشتراه وجب عليه عتقه، وأنه ليس يجب عليه شراؤه. وقالت الظاهرية: المفهوم من الحديث أنه ليس يجب عليه شراؤه ولا عتقه إذا اشتراه، قالوا: لان إضافة عتقه إليه دليل على صحة ملكه له، ولو كان ما قالوا صوابا، لكان اللفظ: إلا أن يشتريه فيعتق عليه. وعمدة الحنفية ما رواه قتادة
(٣٠١)