فأقر بأخ له آخر، أعني أنه لا يثبت النسب ويجب الميراث، وأما الشافعي فعنه في هذه المسألة قولا أحدهما: أنه لا يثبت النسب ولا يجب الميراث. والثاني: يثبت النسب ويجب الميراث، وهو الذي عليه تناظر الشافعية في المسائل الطبلولية ويجعلها مسألة عامة، وهو أن كل من يحوز المال يثبت النسب بإقراره وإن كان واحدا أخا أو غير ذلك. وعمدة الشافعية في المسألة الأولى، وفي أحد قوليه في هذه المسألة - أعني القول الغير المشهور - أن النسب لا يثبت إلا بشاهدي عدل، وحيث لا يثبت فلا ميراث، لان النسب أصل والميراث فرع، وإذا لم يوجد الأصل لم يوجد الفرع. وعمدة مالك وأبي حنيفة أن ثبوت النسب هو حق متعد إلى الأخ المنكر، فلا يثبت عليه إلا بشاهدين عدلين، وأما حظه من الميراث الذي بيد المقر فإقراره فيه عامل لأنه حق أقر به على نفسه. والحق أن القضاء عليه لا يصح من الحاكم إلا بعد ثبوت النسب وأنه لا يجوز له بين الله تعالى وبين نفسه أن يمنع من يعرف أنه شريكه في الميراث حظه منه. وأما عمدة الشافعية في إثباتهم النسب بإقرار الواحد الذي يجوز له الميراث فالسماع والقياس. أما السماع فحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة المتفق على صحته قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال: ابن أخي قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة: أبي ولد على فراشه، فتساوقاه إلى رسول الله (ص)، فقال سعد: يا رسول الله.. ابن أخي قد كان عهد إلي فيه، فقام إليه عبد بن زمعة فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله (ص): هو لك يا عبد بن زمعة، ثم قال رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم قال لسودة بنت زمعة: احتجبي منه، لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص قالت: فما رآها حتى لقي الله عز وجل، فقضى رسول الله (ص) لعبد بن زمعة بأخيه وأثبت نسبه بإقراره إذ لم يكن هنالك وارث منازع له. وأما أكثر الفقهاء فقد أشكل عليهم معنى هذا الحديث لخروجه عندهم عن الأصل المجمع عليه في إثبات النسب، ولهم في ذلك تأويلات، وذلك أن ظاهر هذا الحديث أنه أثبت نسبه بإقرار أخيه به، والأصل أن لا يثبت نسب إلا بشاهدي عدل، ولذلك تأول الناس في ذلك تأويلا ت، فقالت طائفة: إنه إنما أثبت نسبه عليه الصلاة والسلام بقول أخيه، لأنه يمكن أن يكون قد علم أن تلك الأمة كان يطؤها زمعة بن قيس، وأنها كانت فراشا له قالوا: ومما يؤكد ذلك أنه كان صهره، وسودة بنت زمعة كانت زوجته عليه الصلاة والسلام، فيمكن أن لا يخفى عليه أمرها، وهذا على القول بأن للقاضي أن يقضي بعلمه، ولا يليق هذا التأويل بمذهب مالك، لأنه لا يقضي القاضي عنده بعلمه، ويليق بمذهب الشافعي على قوله الآخر، أعني الذي لا يثبت فيه النسب. والذين قالوا بهذا التأويل قالوا: إنما أمر سودة بالحجبة احتياطا لشبهة
(٢٩٠)