وقال جل الصحابة بالرد على ذوي الفروض ما عدا الزوج والزوجة، وإن كانوا اختلفوا في كيفية ذلك، وبه قال فقهاء العراق من الكوفيين، والبصريين. وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن الرد يكون لهم بقدر سهامهم، فمن كان له نصف أخذ النصف مما بقي، وهكذا في جزء جزء. وعمدتهم أن قرابة الدين والنسب أولى من قرابة الدين فقط: أي أن هؤلاء اجتمع لهم سببان وللمسلمين سبب واحد. وهنا مسائل مشهورة الخلاف بين أهل العلم فيها تعلق بأسباب المواريث يجب أن نذكرها هنا، فمنها أنه أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم لقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم واختلفوا في ميراث المسلم الكافر، وفي ميراث المسلم المرتد، فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا يرث المسلم الكافر بهذا الأثر الثابت، وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة إلى أن المسلم يرث الكافر، وشبهوا ذلك بنسائهم، فقالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لنا أن ننكحهم نساءنا كذلك الإرث، ورووا في ذلك حديثا مسندا، قال أبو عمر: وليس بالقوي عند الجمهور، وشبهوه أيضا بالقصاص في الدماء التي لا تتكافأ. وأما مال المرتد إذا قتل أو مات، فقال جمهور فقهاء الحجاز هو لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك، والشافعي، وهو قول زيد من الصحابة. وقال أبو حنيفة، والثوري، وجمهور الكوفيين، وكثير من البصريين يرثه ورثته من المسلمين، وهو قول ابن مسعود من الصحابة، وعلي (رضي الله عنهما).
وعمدة الفريق الأول عموم الحديث، وعمدة الحنفية تخصيص العموم بالقياس، وقياسهم في ذلك هو أن قرابته أولى من المسلمين لأنهم يدلون بسببين: بالاسلام والقرابة، والمسلمون بسبب واحد، وهو الاسلام، وربما أكدوا بما يبقى لماله حكم الاسلام بدليل أنه لا يؤخذ في الحال حتى يموت فكانت حياته معتبرة في بقاء ماله على ملكه، وذلك لا يكون إلا بأن يكون لماله حرمة إسلامية، ولذلك لم يجز أن يقر على الارتداد، بخلاف الكافر - وقال الشافعي، وغيره: يؤخذ بقضاء الصلاة إذا تاب من الردة في أيام الردة، والطائفة الأخرى تقول: يوقف ماله لان له حرمة إسلامية، وإنما وقف رجاء أن يعود إلى الاسلام، وأن استيجاب المسلمين لماله ليس على طريق الإرث. وشذت طائفة فقالت:
ماله للمسلمين عندما يرتد، وأظن أن أشهب ممن يقول بذلك. وأجمعوا على توريث أهل الملة الواحدة بعضهم بعضا. واختلفوا في توريث الملل المختلفة، فذهب مالك وجماعة إلى أن أهل الملل المختلفة لا يتوارثون كاليهود والنصارى، وبه قال أحمد وجماعة، وقال الشافعي