إذا ادعى رجلان ولدا كان الولد بينهما، وذلك إذا لم يكن لأحدهما فراش، مثل أن يكون لقيطا، أو كانت المرأة الواحدة لكل واحد منهما فراشا مثل الأمة أو الحرة يطؤها رجلان في طهر واحد، وعند الجمهور من القائلين بهذا القول إنه يجوز أن يكون عندهم للابن الواحد أبوان فقط، وقال محمد صاحب أبي حنيفة: يجوز أن يكون ابنا لثلاثة إن ادعوه، وهذا كله تخليط وإبطال للمعقول والمنقول. وعمدة استدلال من قال بالقافة ما رواه مالك عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن استلاطهم: أي بمن ادعاهم في الاسلام فأتى رجلان كلاهما يدعي ولد امرأة، فدعا قائفا فنظر إليه فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة، ثم دعا المرأة فقال:
أخبريني بخبرك، فقالت: كان هذا - لاحد الرجلين - يأتي في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن ونظن أنه قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها فأهريقت عليه دما، ثم خلف هذا عليها، تعني الآخر. فلا أدري أيهما هو، فكبر القائف، فقال عمر للغلام: وال أيهما شئت. قالوا: فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة من غير إنكار من واحد منهم هو كالاجماع. وهذا الحكم عند مالك إذا قضى القافة بالاشتراك أن يؤخر الصبي حتى يبلغ، ويقال له: وال أيهما شئت، ولا يلحق واحد باثنين، وبه قال الشافعي، وقال أبو ثور: يكون ابنا لهما إذا زعم القائف أنهما اشتركا فيه، وعند مالك أنه ليس يكون ابنا للاثنين لقوله تعالى: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) * واحتج القائلون بالقافة أيضا بحديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: دخل رسول الله (ص) مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم تسمعي ما قال محرز المدلجي لزيد وأسامة ورأي أقدامهما فقال: إن هذه الاقدام بعضها من بعض قالوا: وهذا مروي عن ابن عباس وعن أنس بن مالك، ولا مخالف لهم من الصحابة. وأما الكوفيون فقالوا: الأصل أن لا يحكم لاحد المتنازعين في الولد إلا أن يكون هنالك فراش لقوله عليه الصلاة والسلام: الولد للفراش فإذا عدم الفراش أو اشتركا للفراش كان ذلك بينهما، وكأنهم رأوا ذلك بنوة شرعية لا طبيعية، فإنه ليس يلزم من قال: إنه لا يمكن أن يكون ابن واحد عن أبوين بالعقل أن لا يجوز وقوع ذلك في الشرع وروي مثل قولهم عن عمر، ورواه عبد الرازق عن علي، وقال الشافعي: لا يقبل في القافة إلا رجلان. وعن مالك في ذلك روايتان: إحداهما مثل قول الشافعي، والثانية أنه يقبل قول قائف واحد.
والقافة في المشهور عن مالك إنما يقضى بها في ملك اليمين فقط لا في النكاح، وروى ابن وهب عنه مثل قول الشافعي، وقال أبو عمر بن عبد البر: في هذا حديث