جامع الخلاف والوفاق - علي بن محمد القمي - الصفحة ٥٣٢
التبرر، والثاني لا، لأن ذلك كالعوض عن النعمة، وهذا ابتداء تبرع، فلا يصير واجبا بإيجابه (1).
في الخلاصة: لو قال: إن دخلت هذه الدار فلله علي حج فأصح المذهب أن لا يلزمه إلا كفارة اليمين، والشرط الثاني أن يلتزم للتقرب بما هو عبادة في نفسه دون المباحات والمحظورات.
ومتى قال: علي كذا إن كان كذا ولم يقل لله، أو قال لله علي كذا ولم يقل إن كان كذا، لم يكن ناذرا ولم يلزمه بالمخالفة كفارة، لأن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد النذر به، ولا دليل على انعقاده من دونه، وقد روي عن ثعلب أنه قال: النذر عند العرب وعد بشرط، ومن أصحابنا من أجرى قول القائل لله علي كذا - من غير شرط - مجرى العهد (2) وهو الشيخ في خلافه قال:
إذا قال ابتداء، لله علي أن أصوم أو أتصدق أو أحج ولم يجعل جزاء على غيره، لزمه الوفاء به، وكان نذرا صحيحا، وهو الظاهر من مذهب الشافعي وبه قال أهل العراق.
وقال: أبو بكر الصيرفي وأبو إسحاق المروزي: لا يلزمه الوفاء به ولا يتعلق به حكم.
قال الصيرفي: قال أبو عمر (3): قال ثعلب: النذر عند العرب وعد بشرط، جوابه إنه وعد بشرط ووعد بغير شرط (4) كقول جميل بن معمر (5):
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يا بثين لقوني وكقول عنترة العبسي (6):
[الشاتمي عرضي ولم أشتمهما] * والناذرين إذا لقيتهما دمي قال: ويدل على المسألة بعد إجماع الفرقة وأخبارهم قوله تعالى {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} (7) {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} (8) وروي عن النبي (عليه السلام) من نذر أن يطيع الله

١ - الوسيط: ٧ / ٢٦٠.
٢ - الغنية ٣٩٣ ٣ - أبو عمر، محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، المعروف بالمطرز غلام ثعلب، أحد أئمة اللغة، صحب ثعلبا وأخذ عنه كثيرا وروى عنه أبو الحسن محمد بن رزقويه، وأبو علي بن شاذان وغيرهم. ولد سنة (٢٦١) وتوفي سنة (٣٤٥) ودفن ببغداد. وفيات الأعيان: ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨.
٤ - وفي الخلاف: إنه وعد بغير شرط.
٥ - جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث العذري. شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية. أنظر ترجمته في الأغاني:
٨ / ٢٨٨ - ٣٣١.
٦ - عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة العبسي. الأغاني: ٨ / ٣٨٦.
٧ - النحل: ٩١ 8 - البقرة: 40
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 ... » »»
الفهرست